responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 293
ومن ثَمَّ لا يشمت بموت النعمان كما شمتت ذبيان وغيرها من قبائل قيس؛ بل إنه ليدعو على أعدائه أن لا يهنئوا بمصرعه، ويحدثنا عن جيوشه وانتصاراتها في القبائل، ويقف ليرد على من جهلوا شيمته من الحفاظ على العهد والضن بسابق الود؛ فقد ظنوا أنه لن يرثي النعمان ولن يذكره، ويقول كيف لا يذكره، وقد حرك موته ما يشبه الداء العضال في فؤاده، ونحس أنه سَعَر قلبه وأشعل صدره بشعلة من الحزن لا تخبو. وما زال يبكيه متعزيًا بأن الموت سنة الأحياء وأنه كأس دائر على الجميع، حتى قال داعيًا له ومترحمًا عليه.
سَقى الغَيثُ قَبرًا بَينَ بُصرى وَجاسِمٍ ... بِغَيثٍ مِنَ الوَسمِيِّ قَطرٌ وَوابِلُ1
وَلا زالَ رَيحانٌ وَمِسكٌ وَعَنبَرٌ ... عَلى مُنتَهاهُ ديمَةٌ ثُمَّ هاطِلُ2
وَيُنبِتُ حَوذانًا وَعَوفًا مُنَوِّرًا ... سَأُتبِعُهُ مِن خَيرِ ما قالَ قائِلُ3
وهو يستمطر على قبره شآبيب الغيث، ولا يكتفي بذلك بل يدعو له أن يظل قبره معطرًا بالريحان والمسك والعنبر، ولا تزال تمده الأمطار بما ينبت عنده النباتات العاطرة من مثل الحوذان والعرف. وحقًّا كان الشعراء حوله ومن قبله يستسقون السحاب لقبور من يفقدونهم؛ ولكنه مدَّ أطناب الصورة بذوقه الحضري وأضاف إليها الريحان والمسك والعنبر، ودعا للأرض أن تنبت من حول النعمان الأزهار والرياض. وهي صورة حضارية تقابل أختها التي مرت في مديحه لأخيه عمرو.
وقد قدَّم لهذه المرثية كما قلنا بالنسيب، وهو يقدم به لبعض اعتذاراته مؤتسيًا بمن حوله من شعراء الجاهلية إذ كانوا يضعونه غالبًا في مقدمات قصائدهم، وكأنهم يريدون أن يستوحوا المرأة شعرهم وقصيدهم. ومن نسيبه قوله في فاتحة معلقته التي أودعها إحدى اعتذاراته:
يا دارَ مَيَّةَ بِالعَلياءِ فَالسَنَدِ ... أَقوَت وَطالَ عَلَيها سالِفُ الأَبَدِ4
وَقَفتُ فيها أُصَيلانًا أُسائِلُها ... عَيَّت جَوابًا وَما بِالرَبعِ مِن أَحَدِ5

1 بصرى وجاسم: موضعان بالشام. الوسمي: أول المطر. وابل: غزير.
2 منتهاه: قبره. الديمة: المطر ليس فيه برق ولا رعد. الهاطل: المطر المتتابع.
3 الحوذان والعوف: نباتان طيبا الرائحة.
4 العلياء والسند: موضعان. أقوت: خلت. الأبد: الزمن.
5 أصيلانًا: تصغير أصلان جمع أصيل أو لعله مصدر من أصيل على وزن غفران. عيت: عجزت.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 293
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست