نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 327
منهم الحطيئة، ولقَّن الشعر ولديه بجيرًا وكعبًا، وطار صيت الأخير في العصر التالي عصر المخضرمين.
نحن إذن بإزاء شاعر ممتاز خبر صناعته الشعر الجاهلي وعرف أساليبها، واستطاع أن يؤدي أجمل صورة لها في لفظه وقوالبه وصيغه، وقد لاحظ القدماء ذلك وعبروا عنه عبارات مختلفة؛ فقالوا: إنه كان يصنع قصائده الطويلة في حول كامل وإنه صنع سبع حوليات[1]، ويَنْسُبُ الجاحظ هذا القول إلى زهير نفسه، فيقول: "كان زهير بن أبي سُلمى يسمي كبار قصائده الحوليات؛ ولذلك قال الحطيئة: خير الشعر الحولي المحكك "يقصد شعر أستاذه وشعره" وقال الأصمعي: زهير بن أبي سلمى والحطيئة وأشباههما عبيد الشعر، وكذلك كل من جود في شعره ووقف عند كل بيت قاله وأعاد فيه النظر حتى يخرج أبيات القصيدة كلها مستوية في الجوده2". ويعلق الجاحظ على صنعة زهير وشعره في موضع آخر؛ فيقول: "من شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولًا كريتًا "كاملًا" وزمنًا طويلًا يردد فيها نظره ويجيل فيها عقله ويقلب فيها رأيه؛ اتهامًا لعقله وتتبعًا على نفسه، فيجعل عقله زمامًا على رأيه، ورأيه عيارًا على شعره، إشفاقًا على أدبه، وإحرازًا لما خوله الله من نعمته، وكانوا يسمون تلك القصائد الحوليات والمقلدات والمنقحات والمحكمات؛ ليصير قائلها فحلًا خِنذيذًا "تامًّا" وشاعرًا مفلقًا3".
وسواء سمى زهير قصائده الطويلة بالحوليات أو سماها الرواة بهذا الاسم فإن هذه التسمية تدل على مدى ما أحس به القدماء تلقاه مطولاته؛ فقد أحسوا فيها بجهد شديد، وتصوروا أن هذا الجهد يستنفد آمادًا بعيدة من الزمن، وتخيلوها حولًا كاملًا، ومضوا يسمون زهيرًا والحطيئة وأضرابهما عبيد الشعر لما شعروا عندهم من طول الثقاف والتنقيح والتجويد والتحبير، وكأنهم يلغون حريتهم وإرادتهم؛ فهم عبيد في الشعر، يخضعون لإرادته الفنية وما يطوى في هذه الإرادة من تنسيق محكم للألفاظ والصيغ. ويظهر أن زهيرًا كان يعرف بذلك من قديم؛ فهم يروون عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول: "زهير شاعر الشعراء لأنه كان لا يعاظل في [1] الخصائص لابن جني "طبع دار الكتب المصرية" 1/ 324.
2 البيان والتبيين: "طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر" 2/ 13.
3 المصدر نفسه: 2/ 9.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 327