responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 330
وارجع إلى عرضناه من أشعاره فستجد التشبيهات تتراكم فيها، وستراه دائمًا حين يفكر في شيء يلمع في ذهنه نظيره، محاولًا أن يربط بين الشبيه والشبيه بعلاقة لا تنفصم. وهي علاقات ننتقل بينها معجبين؛ بل هي مشاهد تجلب لنا البهجة والمسرة؛ إذ كان يعرف كيف يأتي منها بالنادر الطريف على شاكلة قوله الذي أنشدناه في وصفه للظعن وقصدها إلى غايتها:
بَكَرنَ بُكورًا وَاِستَحَرنَ بِسُحرَةٍ ... فَهُنَّ لِوادي الرَسِّ كَاليَدِ لِلفَمِ
وليس كل ما يلاحظ عنده كثيرة التشبيهات ولا وقوعه على نوادرها؛ بل لعل أهم ما يلاحظ أنه يعنى بتفصيل التشبيه؛ إذ لا يزال يلح على الصورة التي يعرضها، وكأنه يريد أن يستوفيها بجميع دقائقها وتفصيلها استيفاء؛ كقوله في وصف بعض صواحبه:
تَنازَعَها المَها شَبَهًا وَدُرُّ الـ ... ـنُحورِ وَشاكَهَت فيها الظِباءُ1
فَأَمّا ما فُوَيقَ العِقدِ مِنها ... فَمِن أَدماءَ مَرتَعُها الخَلاءُ2
وَأَمّا المُقلَتانِ فَمِن مَهاةٍ ... وَلِلدُرِّ المَلاحَةُ وَالصَفاءُ
فهو لا يشبه صاحبته ببقر الوحش والدر والظباء تشبيهًا عامًّا ويمضي؛ بل يعود إلى تفصيل تشبيهه؛ فهي تشبه الظباء في جيدها الطويل الجميل وبقر الوحش في سواد عينيها الفاتنتين والدر في ملاحته وصفائه ولمعانه وبهائه.
وإذا كان زهير أتقن لون التشبيه من حيث كثرة الصور والتعمق فيها والإلحاح عليها بالتفاصيل؛ فإنه أتقن لون الاستعارة إتقانًا لعل شاعرًا جاهليًّا لم يبلغ مبلغه فيه، وارجع إلى معلقته وإلى صور الحرب التي أنشدناها فإنك تجد الاستعارات فيها تتلاحق، فالحرب أسد ضار؛ بل هي نار مشتعلة؛ بل هي رحى تطحن الناس؛ بل هي ناقة تنتج غلمان شؤم؛ بل هي أرض مغلة غلة قبيحة ليس فيها منافع للناس إنما فيها الموت الزؤام. وقد مثل -كما مر بنا- حياة العرب في حروبهم الدائرة وما يتخللها من فترات راحة بصورة قوم يرعون مراعي وخيمة، حتى

1 المها: بقر الوحش. شاكهت: شابهت.
2 الأدماء: الظبية البيضاء. الخلاء: الموضع الخالي.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 330
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست