responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 331
إذ أخذهم الظمأ الشديد وردوا على مياه وخيمة؛ بل على دماء مسفوحة. ونراه في نفس المعلقة يصف شجاعًا ويصوره في صورة أسد فيقول:
لَدى أَسَدٍ شاكي السِلاحِ مُقَذَّفٍ ... لَهُ لِبَدٌ أَظفارُهُ لَم تُقَلَّمِ1
وواضح أنه استتم في استعارته صورة الأسد بشعره المسترسل على منكبيه وأظفاره المسنونة التي لم تقلم يومًا والتي إن نشبت في شيء أتت عليه.
ولم يكن زهير يكثر من الاستعارة في شعره فحسب؛ بل كان أيضًا يحاول أن يأتي فيها بالصور النادرة الغريبة كقوله في أحد مطالعه:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعري أفراس الصبا ورواحله2
وهو في الشطر الأول يقول: إن قلبه كف عن حب سلمى، وقد أراد على طريقته أن يعبر عن هذا المعنى بصورة؛ فذهب يتخيل، وبعد به خياله، فإذا هو يتصور أسباب حبه وصبوته التي كان دائمًا يلزمها أفراسًا ورواحل يركبها إلى صاحبته، وكان طريقه إليها مشغولًا دائمًا بهذه الرواحل والأفراس. وقد انتهى اليوم كل شيء؛ فقد انصرف عن سلمى وحبها، ولم تعد تشغله أسباب صبوته القديمة. وهي صورة بعيدة لا تقع إلا في ذهن يكثر من التخيل والإغراق في التصور، ذهن يتعمق في الأشياء والمعاني، حتى يتخيلها أحياء حقيقية.
وأكبر الظن أننا لا نغلو إذا قلنا إن زهيرًا كان شاعرًا مصورًا، فالتصوير أساس فنه، وكأنما تحول عقله إلى آلة لاقطة، وهي ليست آلة فوتوغرافية؛ بل هي آلة خالقة، آلة تفكر في الأشياء من خلال أشياء أخرى فتعقد ما لا يحصى من مشابهات ومشاكلات، وما تلبث أن تتمثل فيما يقع تحت حسها أشباحًا وأطيافًا تتراءى لها واضحة تمام الوضوح.
ومهما تحدثنا في هذا الجانب فلن نستطيع أن نوفي زهيرًا حقه من بيان مقدرته التصويرية، وكأني به كان الثمرة النهائية للجهود الفنية التي أودعها الجاهليون أشعارهم؛ فهو من جهة قد صقل أسلوبه إلى أبعد غاية من الصقل، ومن جهة ثانية.

1 شاكي السلاح: تام السلاح.
مقذف: غليظ اللحم. لبدة الأسد: ما تلبد على كتفيه من شعره.
2 أقصر: كف. الأفراس: جمع فرس. الرواحل: الإبل.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 331
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست