responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 355
في سرعتها بحمار وحش، يقاسي من لظى الصيف وعض أمثاله وتنهاقها عليه؛ فهو يسرع لا يلوي. ولا يمضي طويلًا مع هذا الحمار؛ بل يتركه إلى ثور وحش يشبه به ناقته، ويصوره طاويًا في ليلة من ليالي الشتاء القاسية، وقد بات مستظلًا بأغصان أرطاة، والمطر يسقط من حوله والفزع يأخذه من كل جانب، ولم تلبث نفسه أن راودته على الخروج من كناسه؛ فخرج يتوارى في عراض الرمال وكثبانها، ولم تلبث كلاب الصيد أن رأته فأسرعت تحاول اللحاق به، وأسرع يحاول فَوْتَها. والأعشى يشبه ناقته به وهي تترامى فوق الرمال مسرعة كأنما شيء يطلبها.
وتتكرر مثل هذه الصورة لا عند الأعشى وحده؛ بل عند جميع شعراء الجاهلية؛ إذ يشبهون الناقة بوحش الفلاة، وخاصة حين يناضل كلاب الصيد، وإن كنا نلاحظ أن الأعشى لا يطيل في تصوير ذلك إطالة النابغة أو لبيد أو غيرهما من الجاهليين، وربما جاءه ذلك من ذوقه المتحضر؛ فكان يوجز في وصف الصحراء والناقة والحيوانات الوحشية، على حين يتسع في الحديث عن الخمر والغزل.
وحقًّا نجد عند الجاهليين تعرضًا كثيرًا للخمر، ولكنهم عادة يسوقونها مع الحديث عن فتوتهم وكرمهم وبذلهم، على نحو ما نرى في معلقة طرفة، أما عند الأعشى فإننا نجدها في فاتحة كثير من قصائده تالية لبعض غزله، ونحس كأنها لذته من الدنيا؛ فهو يطيل الحديث عنها وعن تأثيرها في نفوس شاربيها، وكأنه يقدسها تقديسًا، فهي وثنه وصنمه؛ ولذلك لم يكد يسمع من قريش -كما أسلفنا- أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يحرمها حتى كف عن لقائه وانصرف لساعته.
وهو يجيد وصفها إجادة لفتت القدماء إليه؛ فقالوا إنه أشعر الجاهليين إذا طرب[1]، يقصدون إذا شرب الخمر ووصفها، وهو وصف يفيض بالحيوية، إذ يجسم فيه بيئتها ومجالسها وما ينثر فيها من الورود والرياحين وما يقوم فيها من السقاة والمغنيين والإماء الخليعات اللاتي يلبسن الشفوف الرقيقة وما يضرب عليه العازفون من آلات طرب كالصنج والعود، واستمعْ إليه يقول في معلقته:

[1] أغاني 9/ 108.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 355
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست