responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 360
يعلق عليها الآمال عامًا بعد عام، مغاليًا في ثمنها؛ حتى اشتريناها منه. ويصورها وهي تسقط من دنها بشعاع الشمس الوهاج، وهي من الصور التي أكثر العباسيون من تداولها، كما أكثروا من الحديث عن رائحتها ووصف دنانها، ومن قوله في كأس من كئوسها:
وَكَأسٍ كَعَينِ الديكِ باكَرتُ حَدَّها ... بِفِتيانِ صِدقٍ وَالنَواقيسُ تُضرَبُ1
سُلافٍ كَأَنَّ الزَعفَرانَ وَعَندَما ... يُصَفَّقُ في ناجودِها ثُمَّ تُقطَبُ2
وهو يشبهها بعين الديك في صفائها، ويقول إنه باكرها أو باكر سورتها برفاق مخلصين، يشربونها معه في الأديرة على قرع النواقيس، ويحدثنا عن رائحتها وأثرها في نفسه، حتى ليتصورها زعفرانًا أحمر خلط بصبغ العندم، وقد سطعت منه رائحة زكية. وعلى هذا النحو ما يزال يصف الخمر وصف مفتون بها، معلنًا أنه لا يستطيع عنها انصرافًا فهي كل لذته ومتاعه، يقول:
وَكَأسٍ شَرِبتُ عَلى لَذَّةٍ ... وَأُخرى تَداوَيتُ مِنها بِها
لِكَي يَعلَمَ الناسُ أَنّي اِمرُؤٌ ... أَتَيتُ المَعيشَةَ مِن بابِها
وما يني يتحدث عن مجالسها وما ينثر فيها من ورود وما يكون فيها من قيان وآلات طرب، بنفس الصورة التي تلقانا عند أصحاب الخمر والمجون في العصر العباسي. ونحن إنما سقنا ما وثَّقناه من أشعاره، ومن يرجع إلى ديوانه وما رفضناه من قصائده يستطيع أن يلاحظ عبث الرواة بشعره؛ فقد أجروا على لسانه خمرية تزخر بالألفاظ الفارسية، وكأنه فارسي أبًا وأمَّا ممن أتقنوا الشعر العربي في العصر العباسي وأتقنوا فن الخمرية بنوع خاص، ومن تفترق قصيدته رقم55 من قصائد أبي نواس وأضرابه في شيء؟ إنها تكتظ بأسماء الرياحين والأزهار وآلات الطرب الفارسية، ولا يبخل عليه واضعها بذكره لنيل مصر في تضاعيفها وإجرائه على لسان الأعشى بعض ما كان يجري على لسان أبي نواس ونظرائه من أن صاحبها مجوسي يصلي عليها

1 باكر: شربها في الصباح الباكر. حدها: سورتها وحدتها.
2 السلاف: أجود الخمر. العندم: شجر عروقه حمراء يصبغ به. يصفق: يروق. ناجودها: جرتها. تقطب: تمزح.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 360
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست