responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 361
ويزمزم. فماذا بقي لمجان الفرس في العصر العباسي. وقال ذلك نفسه في قصيدته رقم36 وقد رفضناها لما فيها من حديث عن هلاك الملوك الأولين، وهي ترفض أيضًا لما فيها من صور خمرية تنبو على ذوق الجاهليين؛ إذ يوصف زقها الأسود وقد طلي بالقار وطرح على الثرى بحبشي نام وانبطح، كما يوصف السكارى وقد تمددوا على الأرض وخذلتهم أرجلهم من غير كسح فلا يستطيعون حراكًا بالحبال الممدودة لصيد بعض الطير.
وإذا تركنا خمره إلى غزله لاحظنا أنه لا يقف طويلًا عند الأطلال صنيع غيره من الجاهليين؛ بل يأخذ في وصف صاحبته ووصف عواطفه نحوها. وقد يعمد إلى نفس الصورة القصصية المبثوثة في معلقة امرئ القيس. فيتحدث عن مغامراته ووصوله إلى محبوباته من المتزوجات على شاكلة قوله:
فَظَلِلتُ أَرعاها وَظَلَّ يَحوطُها ... حَتّى دَنَوتُ إِذا الظَلامُ دَنا لَها
فَرَمَيتُ غَفلَةَ عَينِهِ عَن شاتِهِ ... فَأَصَبتُ حَبَّةَ قَلبِها وَطِحالَها1
حَفِظَ النَهارَ وَباتَ عَنها غافِلًا ... فَخَلَت لِصاحِبِ لَذَّةٍ وَخَلا لَها
فهو يخالس الزوج ويخاتله؛ حتى يظفر ببغيته. وطبيعي أن يكون غزله ماديًّا صريحًا لما رأينا من لهوه وخمره؛ غير أننا نلاحظ عنده رقة في الغزل وشدة في الوله والتعلق بالمحبوبة؛ حتى إن روحه لتكاد تسقط من بين جنبيه جزعًا وصبابة، وخاصة حين الوداع. واستمع إليه يقول في فاتحة معلقته:
وَدِّع هُرَيرَةَ إِنَّ الرَكبَ مُرتَحِلُ ... وَهَل تُطيقُ وَداعًا أَيُّها الرَجُلُ
فهو يأمر قلبه أن يودعها قبل الرحيل، وسرعان ما يرجع إلى نفسه ينكر ما ظنه فيها من الصبر على الوداع. وهي صبابة لا نعرفها عند الجاهليين؛ إنما نعرفها عند الأعشى صاحب الذوق الرقيق الذي أثرت فيه الحضارة، وحولته دقيق الحس دقة شديدة؛ فإذا هو يتذلل في حبه ويخضع، وامض معه في المعلقة فستجده يشبب بصاحبته منحرفًا عن طريقة الجاهليين في بكاء آثار الديار والأطلال؛ فهي موضوع حبه وغزله، ولا داعي لأن يذهب بعيدًا مع الذكريات، وإذن

1 الشاة هنا: كناية عن المرأة.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 361
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست