نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 362
فليأخذ في وصفها مفتنًّا في ذلك افتنانًا؛ فتارة يصف بشرتها وشعرها وعوارضها وتارة يصف مشيتها الوانية وحليها، وتارة يصف تعلق الناس بطلعتها الفاتنة وما تغرق فيه من ترف ونعيم وعطور. ولا يلبث أن يورد علينا هذا البيت الغريب:
عُلَّقتُها عَرَضًا وَعُلَّقَت رَجُلًا
غَيري وَعُلَّقَ أُخرى غَيرَها الرَجُلُ
وهو يصور فيها شقاءه بحبها؛ فهو يحبها، وهي تعرض عنه، وتحب رجلًا آخر، والرجل يعرض عنها ويحب فتاة أو امرأة ثانية، وسرعان ما يعود، فيتذكر كيف كانت تشفق عليه وعلى نفسها حين زارها ذات مرة؛ فقال:
قالَت هُرَيرَةُ لَمّا جِئتُ زائِرَها ... وَيلي عَلَيكَ وَوَيلي مِنكَ يا رَجُلُ
فقد بالغ في وصف ارتياعها وخوفها على نفسها وعليه؛ حتى إنها لتتفجع وتتوجع إشفاقًا وضعفًا. ولعل في هذا كله ما يوضح غزل الأعشى وأنه يمتاز من ناحية بأنه حسي مادي ومن ناحية أخرى برقته المفرطة وتصويره لعواطف المحبين وأحاسيسهم التي يبوحون بها ولا يستطيعون كظمها ولا كتمها؛ بل يندفعون في تصويرها معبرين عن ولههم وعشقهم.
والحق أن الأعشى في شعره جميعه يعد تمهيدًا للشعر الحضري الذي ظهر من بعده، سواء في غزله وخمره أو في هجائه ومديحه؛ فهو في هذه الموضوعات جميعًا يفصح عن ذوق متحضر، سواء في خطاب الأمراء والأشراف والخضوع لهم أو في خطاب النساء والتذلل لهن أو في اللعب بمهجويه والاستهزاء والاستخفاف، أو في وصف الخمر ومجالسها ودناتها وكئوسها.
ولعلنا بعد ذلك لا نعجب إذا رأيناه يشبه العباسيين في مبالغاتهم؛ فقد كان يسرف على نفسه مثلهم في تصور ممدوحيه؛ فإذا هو يقول في هوذة بن علي الحنفي:
فَتىً لَو يُباري الشَمسَ أَلقَت قِناعَها ... أَوِ القَمَرَ الساري لَأَلقى المَقالِدا1
فهو لو يباري الشمس لألقت قناعها خجلًا ولو بارى القمر لذل له وانقاد صغارًا. وهي مبالغة مفرطة، ومثلها قوله متغزلًا:
1 ألقى المقالد: ذل وانقاد، وفي رواية ينادي بدلًا من يباري بمعنى يجالس.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 362