نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 372
وَإِذا شَرِبتُ فَإِنَّني مُستَهلِكٌ ... مالي وَعِرضي وافِرٌ لَم يُكلَمِ1
وَإِذا صَحَوتُ فَما أُقَصِّرُ عَن نَدىً ... وَكَما عَلِمتِ شَمائِلي وَتَكَرُّمي
ويتحدث إليها عن فروسيته وبسالته في الطعن الأول والنزال وصراع الأقران وكيف ينصبُّ عليهم كالقضاء النازل أو كشواظ من نار يحرق ويُصمي. ولا يلبث أن يعود إلى الحديث عن كرم نفسه وشرف طباعه؛ فيقول:
يُخبِركِ مَن شَهِدَ الوَقيعَةَ أَنَّني ... أَغشى الوَغى وَأَعِفُّ عِندَ المَغنَمِ2
فهو يقدم في أهوال الحروب وخطوبها، أما عند الأسلاب فيتردد ويحجم ويتعفف وكأنه ليس صاحبها. إنه لا يحارب من أجل الأسلاب والغنائم؛ وإنما يحارب ليكسب لقومه شرف الانتصار. وما يزال يحدثنا في شعره عن كرامته، وشعوره القوي بعزته وأنه لا يقبل الضيم والهوان، يقول في لاميته3:
وَلَقَد أَبيتُ عَلى الطَوى وَأَظَلُّهُ ... حَتّى أَنالَ بِهِ كَريمَ المَأكَلِ
فالجوع حتى الموت خير من الطعام الخبيث الدنيء. وعلى هذه الشاكلة ما تزال تلقانا في أشعاره معاني نبيلة، وهي معان ارتفعت عنده إلى أروع صورة للنبل الخلقي؛ حتى لنراه يرقُّ لأقرانه الذين يسفك دماءهم، يقول -في معلقته- وقد أخذه التأثر والانفعال الشديد لبطشه بأحدهم:
فَشَكَكتُ بِالرُمحِ الطويل ثِيابَهُ ... لَيسَ الكَريمُ عَلى القَنا بِمُحَرَّمِ4
فهو يرفع من قدر خصمه، فيدعوه كريمًا، ويقول إنه مات ميتة الأبطال الشرفاء في ساحة القتال. وكان يجيش بنفسه إحساس عميق نحو فرسه الذي يعايشه ويعاشره حين تنال منه سيوف أعدائه ورماحهم، يقول مصورًا آلامه وجروحه الجسدية وقروحه النفسية:
1 يكلم: يجرح.
2 الوغى: الحرب.
3 مختار الشعر الجاهلي: للسقا ص387، والطوى: ضمور البطن، ويريد به الجوع الشديد.
4 يريد بالثياب جسده وبدنه.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 372