نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 371
دوخ الأقران والأبطال في حروب داحس والغبراء، وبذلك غسل مذمة ولادته ولونه وفلَحَ شفتيه، والذي لا شك فيه أنه كان على خلق عظيم وأنه كان يجمع إلى فروسيته المادية فروسية معنوية أو خلقية.
ولا بد أن نلاحظ بصفة عامة أن الفروسية الجاهلية بعثت في نفوس أصحابها ضربًا من التسامي والإحساس بالمروءة الكاملة؛ فإذا هم يتغنون دائمًا بمجموعة من الفضائل والخصال الحميدة، واقرأ فيهم فستراهم يتحدثون عن كرمهم الفياض ووفائهم وحلمهم وأنفتهم وعزتهم وصبرهم على الشدائد وتحمل المشاق وحفاظهم على العهد وحماية الجار. وهو جانب واضح في أشعار عنترة، ونظن ظنًّا أنه نماه عنده ما قصه الرواة من أنه طلب عبلة من عمه مالك فأباها عليه لسواده، ولأنه ابن أمة، وقد ظل يتغنى بها طوال حياته تغني المحب المحروم، وهو تغن نستشف فيه غير قليل من الإحساس بالحزن واليأس. ومن ثم كان يمكن أن يعد أبًا لشعر الحب العذري عند العرب، كما يعد فعلًا أبًا للفروسية العربية بخصالها وخلالها النبيلة السامية التي استرعت أنظار الصليبيين؛ فاتخذوا منها مثالًا لفروسيتهم وما انطوى فيها من حب عذري[1].
وردّد البصر في أشعار عنترة فستجده يأسر لبك بمثله الخلقية الرفيعة؛ فهو مع فروسيته وبذله لنفسه في سبيل قومه سمح السجايا سهل المخالطة والمعاشرة لا يبغي على غيره، ولا يحتمل البغي، ولا يظلم ولكنه لا يستكين للظلم؛ فإن ظُلم تحول كالإعصار العاصف، حتي يأتي على ظالمه، وقد يشرب الخمر ولكنها لا تفسد مروءته، وإذا دعاه داعي المكرمات لبى باذلًا كل ما يملك عن طيب نفنس، يقول –في معلقته- مخاطبًا ابنة عمه عبلة التي شعف قلبه بها حبًا:
أَثني عَلَيَّ بِما عَلِمتِ فَإِنَّني ... سَمحٌ مُخالَقَتي إِذا لَم أُظلَمِ
وَإِذا ظُلِمتُ فَإِنَّ ظُلمِيَ باسِلٌ ... مُرٌّ مَذاقَتَهُ كَطَعمِ العَلقَمِ2 [1] انظر قصة الحضارة "لول ديورانت" الجزء الثالث: من المجلد الرابع، الفصل الخامس الخاص بالفروسية ص446 وما بعدها.
2 باسل: كريه.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 371