نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 370
عمه وخاله من سادتهم؛ إذ لا يغني القبيلة أحد غناءه، ولا يذود عن حماها ذياده، ويصور لنا في نفس القصيدة شجاعته وجرأته تصويرًا باهرًا إذ يقول:
بَكَرَت تُخَوِّفني الحُتوفَ كَأَنَّني ... أَصبَحتُ عَن غَرَضِ الحُتوفِ بِمَعزِلِ1
فَأَجَبتُها إِنَّ المَنِيَّةَ مَنهَلٌ ... لا بُدَّ أَن أُسقى بِكَأسِ المَنهَلِ2
فَاِقِني حَياءَكِ لا أَبا لَكِ وَاعلَمي ... أَنّي اِمرُؤٌ سَأَموتُ إِن لَم أُقتَلِ3
إِنَّ المَنِيَّةَ لَو تُمَثَّلُ مُثِّلَت ... مِثلي إِذا نَزَلوا بِضَنكِ المَنزِلِ4
وَالخَيلُ ساهِمَةُ الوُجوهِ كَأَنَّما ... تُسقى فَوارِسُها نَقيعَ الحَنظَلِ5
فهو لا يستمع إلى تخويف صاحبته له مما قد يلقاه من المكاره والمتالف بسبب تهافته على الحروب؛ بل إنه ليصم أذنيه عن ندائها قائلًا لها إن المنية مورد كل إنسان ولا بد أن أموت؛ فليكن موتي شريفًا في ميدان الحروب. ويدعوها أن تصون حياءها؛ فهو ميت على كل حال، وخير له أن يموت مناضلًا عن قومه مدافعًا عن نسائهم وأطفالهم وضعفائهم. ولا يلبث إحساسه ببطولته أن يتضخم في نفسه؛ فإذا هو يتصور أن المنية لو خلقت في مثال لكانت في مثل صورته وخلقته وهو يقتحم الصفوف، والخيل ساهمة من هول الحرب، والفرسان كالحة وجوههم كأنما يشربون من نقيع الحنظل.
وقد طارت شهرة عنترة بالفروسية والشجاعة النادرة منذ الجاهلية، وما زالت ذكراه عالقة بأذهان العرب إلى اليوم؛ فهو مثلهم الأعلى في البسالة والبطولة الحربية، وقد اتخذت من أخباره نواة للملحمة المعروفة باسمه والتي يمكن أن تعد إلياذة العرب، وهو فيها يحارب في الجزيرة العربية وخارجها في الحبشة وإيران وبلاد الروم والفرنج وشمال إفريقية والأندلس، وينازل الصليبين. وبذلك كانت هذه القصة أو السيرة تلخص تاريخ العرب وملحمة فروسيتهم في الجاهلية، وفي الفتوح الإسلامية وبعد الفتوح في حروبهم مع الروم والصليبيين في الشرق والغرب.
ونحن لا نُعنى الآن بعنترة الأسطورة؛ إنما نعنى بعنترة الفارس الجاهلي الذي
1 الحتوف: المتالف.
2 منهل: مورد.
3 اقني: احفظي وصوني
4 الضنك: الضيق.
5 ساهمة: متغيرة.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 370