responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 384
لغارته من عَرفوا بالشح والبخل ومن لا يمدون يد العون للمحتاج في قبائلهم، فلا يرعون ضعفًا ولا قرابة ولا حقًّا من حقوق أقوامهم[1]؛ وبذلك كله تصبح الصعلكة عنده ضربًا من ضروب النبل الخلقي، وكأنها أصبحت صنوًا للفروسية؛ بل لعلها تتقدمها في هذه الناحية من التضامن الاجتماعي بين الصعلوك والمعوزين في قبيلته. وبلغ عروة من ذلك أنه كان لا يؤثر نفسه بشيء على من يرعاهم من صعاليكه؛ فلهم مثل حظه غزوا معه أو قعد بهم المرض والضعف. وهو يضرب بذلك مثلًا رفيعًا في الرحمة والشفقة والبذل والإيثار.
ولعروة ديوان برواية ابن السكيت، طبع مرارًا، في جونتجن والجزائر والقاهرة وبيروت، وتردد أشعاره فيه هذه المعاني الكريمة التي قدمناها، وهي معان جعلت معاصريه ومن جاءوا بعدهم يعجبون به إعجابًا شديدًا، فقد كانت قبيلته تأتم به في خلاله وخصاله، وكان معاوية يقول: "لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوج إليهم2" أما عبد الملك بن مروان فكان يقول: "من زعم أن حاتمًا أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد3" وكان يقول أيضًا: "ما يسرُّني أن أحدًا من العرب ولدني ممن لم يلدني إلا عروة بن الورد لقوله:
إِنّي اِمرُؤٌ عافي إِنائِيَ شِركَةٌ ... وَأَنتَ اِمرُؤٌ عافي إِنائكَ واحِدُ4
أَتَهزَأُ مِنّي أَن سَمِنتَ وَأَن تَرى ... بِوَجهي شُحوبَ الحَقِّ وَالحَقُّ جاهِدُ
أُفَرِّقُ جِسمي في جُسومٍ كَثيرَةٍ ... وَأَحسو قَراحَ الماءِ وَالماءُ بارِدُ5
وعروة يعبر عن معنى إنساني رفيع؛ إذ تعرض له بعض أصحابه يعيبه بأنه مُضنى هزيل شاحب اللون، فقال له: إنني يشركني كثيرون من العفاة والسائلين ذوي الحاجة في إنائي أو طعامي، أما أنت فلا يشركك أحد؛ ولذلك سمنت أما أنا فأصبحت ضامرًا نحيلًا، وما شحوب وجهي إلا أثر من آثار نهوضي بحقوق هؤلاء المحتاجين والمعوزين؛ فلست أنا الخليق بالهزؤ والسخرية، إنما الخليق بذلك السمين

[1] أغاني: 3/ 81.
2 أغاني: 3/ 73.
3 أغاني: 3/ 74.
4 العافي: طالب المعروف. ويريد بقوله: "عافي إنائك واحد": أنه يأكل وحده.
5 حساء الماء: شربه شيئًا بعد شيء. القراح: الخالص الذي لا يخالطه لبن ولا غيره.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 384
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست