نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 426
وكانت نقوشها تكتب بالخط الآرامي، ومنه نشأ تطور الخط العربي في الحجاز. وتختلف هذه اللهجات الأربع اختلافات كثيرة عن لغة الجاهليين، وإن كان من المؤكد أن اللهجة النبطية أقربها جميعًا إليها، وقد أخذت في الدثور منذ القرن الثالث للميلاد؛ بينما أخذت تحل محلها مقدمات الفصحى بحيث لا نصل إلى نهاية القرن الخامس وأوائل السادس الميلادي، حتى تتكامل تكاملًا تامًّا وتعم بين القبائل النجدية وفي الحيرة وبين الغساسنة، وتصبح هي اللغة العامة المتداولة بين الشعراء. وكانت هناك لهجات قبلية كثيرة؛ ولكن الفصحى ظفرت بها جميعًا في المجال الأدبي، بحيث كان الشعراء في كل قبيلة ينظمون بها مرتفعين عن لهجاتهم القبلية أو المحلية، وقد حار المستشرقون طويلًا في معرفة اللهجة التي سادت بين القبائل في الشمال وأصبحت اللهجة الأدبية الشائعة على كل لسان، وأثبتُّ أنها لهجة قريش؛ إذ تآزرت بواعث دينية واقتصادية وسياسية على أن تتم لها هذه السيادة منذ أوائل العصر الجاهلي.
وبحثتُ عقب ذلك في رواية الشعر الجاهلي وتدوينه؛ مبينًا كيف تضافرت جهود القبائل العربية ورجالاتها وشعراؤها على حمله جيلًا بعد جيل، حتى تسلَّمه منهم طبقة من الرواة المحترفين في البصرة والكوفة، وكان بينهم الثقة الذي لا يرتفع شك إلى روايته مثل المفضل الضبي والأصمعي والمتهم الذي يجمع العلماء على إبطال روايته مثل حماد وخلف الأحمر. وفي تضاعيف ذلك كان الشعر الجاهلي يدَّون؛ بحيث لا نصل إلى أوائل القرن الثالث للهجرة حتى يتكامل تدوينه. والذي لا شك فيه أنه دخله انتحال كثير، ولم يكن القدماء غائبين عن ذلك؛ فقد نصوا على كل ما شكوا فيه من رواة ومن شعر، حتى يحيطوه بسياج من التوثيق، أو بعبارة أدق حتى يحيطوا الصحيح منه. ومنذ أواسط القرن الماضي يلم المستشرقون بالمشكلة، واندفع منهم مرجليوث في هذا القرن يزعم أن الشعر الجاهلي جميعه منحول على أهله، وهب كثير من المستشرقين يردُّون عليه، وممن ذهب مذهبه في تعميم الحكم على الشعر الجاهلي بالانتحال والوضع طه حسين، وإن لم يتسع بحكمه اتساع مرجليوث. وعلى هَدْي من آراء طه حسين ومرجليوث جميعًا تناول القضية بلاشير في الجزء الأول من كتابه "تاريخ الأدب العربي" وقد ناقشتُ آراءه وآراء غيره من الباحثين، وانتهيت إلى أن هناك شعرًا منتحلًا كثيرًا لا سبيل
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 426