نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 124
يقول عبد القاهر: "يريد إذا كان العام جدب وجفت ضروع الإبل، وانقطع الدر، حتى إن حلب منها مائة لم يحصل من لبنها ما يكون غبوق غلام واحد".
ومن نادر ذلك وجيده قول الخنساء في رثاء صخر: "من البسيط"
فما عجول لدى بو تطيف به ... لها حنينان إعلان وإسرار
أودى به الدهر عنها فهي مرزمة ... قد ساعدتها على التحنان أظآر
ترتع ما غفلت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبال وإدبار
يوما بأوجع مني يوم فارقني ... صخر وللعيش إحلاء وإمرار
العجول: الناقة التي فقدت ولدها فهي واله، والبو: ولد الناقة، والمراد به هنا الجلد يحشى ثمامًا أو تبنا، فيقرب من أم الفصيل، فتعطف عليه فتدر، والآظآر: جمع ظئر وهي العاطفة على ولد غيرها لترضعه، وقالوا: ظأرني على الأمر، أي: أكرهني كأنه عطفه عليه ولواه، وقالوا: ظأرتهم الرماح على الصلح كأنها ترغمهم وتلويهم عليه، والمرزمة ذات الإرزام وهو الحنين وصوت تخرجه الناقة من حلقها لا تفتح به فما، وقالوا: لا أفعل ذلك ما أرزمت أم حائل، أي ما حنت عجول حال ولدها ... وشاهدنا قولها: "فإنما هي إقبال وإدبار"، فقد أسندت الإقبال والإدبار إلى الناقة عل طريقة قولنا: زيد عدل، وهذا تجوز في الإسناد، والإقبال، والإدبار كلاهما مستعمل في أصل معناه، وهذا الإسناد أفاد أن هذه الناقة حين ذكرت ولدها ارتاعت من شدة ما تجد، واشتدت بها الوجد وأخذت تقبل وتدبر، وكأنها لفرط إقبالها وإدبارها، صارت إقبالًا وإدبارًا، قال عبد القاهر: "لم ترد بالإقبال والإدبار غير معناها فتكون قد تجوزت في نفس الكلمة، وإنما تجوزت في أن جعلتها -لكثرة ما تقبل وتدبر، ولغلبة ذلك عليها واتصاله بها، وأنه لم يكن لها حال غيرها -كأنها تجسمت من الإقبال والإدبار"، والناقة هنا استحالت إقبالا وإدبارًا، هي هكذا في هذ الشعر.
نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 124