نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 134
واستغراقه لجميع رأسه، وإسناد الفعل إلى المكان يفيد العموم
كقولنا: اشتعل الطريق نارا، واشتعلت النار في الطريق، وتفجرت الأرض عيونا، وتفجرت العيون في الأرض.
ومما جاء على طريقة هذا القول في عموم الشيب قول الشاعر:
قالت قتيلة ما له ... قد جللت شيبا شواته
والشواة جلد الرأس، فقد أسند الشاعر ظهور الشيب الذي عبر عنه بالتجليل أي الغطاء، إلى شواة الرأس، كما أسندت الآية ظهور الشيب المعبر عنه بالاشتعال، ولكن الاستعارة في البيت لم تكن مثل الاستعارة في الآية، ولا في مرتبتها؛ لأن التجليل وإن أفاد التغطية، والعموم أي أن الشيب قد جلل كل رأسه، وغطاه فقد فاته أن يصف بياض الشيب ولألاءه، فالشاعر لم يحس بالشيب إحساسًا مشرقا مضيئًا، ولعله في هذا يعكس شعور صاحبته التي يجري القول على لسانها، والتي برمت بشيبه المغطى المظلم القاتم الذي يشبه في ظلمته غروب الشيخوخة.
ولهذه الطريقة مذاق حسن، انظر قولهم: سال بهم الوادي ترى في هذا التعبير أن القوم قد فاض بهم المكان، وأطبقوا كل موضع فيه، ومن جيد ذلك قول الشاعر:
وسالت بأعناق المطي والأباطح
وهي صورة حية يرى الأبطح المترامية قد فاضت بأعناق المطايا العجلة، لما استحثتها أشواق راكبيها، وواضح أن هذا والذي قبله مما وقع التجوز فيه في الإسناد والمسند؛ لأن السيلان فيه مستعار للسير الحثيث السريع اللين الذي يشبه سيلان الماء، وفضل قول الشاعر: سالت بأعناق المطي الأباطح على قولنا: سالت الأباطح بالمطايا، يكمن في هذه اللفتة في قوله: بأعناق المطي حيث جعل الأباطح لا تسيل بالمطايا هكذا جملة، وإنما اختار من المطايا الأعناق والرءوس؛ لأن أعناق الإبل تخضع، أو تهطع إذا أسرعت، وهم
نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 134