نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 135
يقولون: إن الإبل إذا غذت السير طامنت أعناقها، وكأن رءوسها تتراقص عند التخويد والهملجة.
ومن أحسن ما نسب فيه الفعل إلى الأعناق، قوله تعالى تسلية لرسول صلى الله عليه وسلم لما بلغ حزنه على عناد قومه جهد نفسه، فبين له سبحانه أنه لو أراد لأنزل عليهم آية بينة ملزمة لهم لا يجدون في مواجهتها إلا الإذعان، والانقياد والخضوع، قال سبحانه: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [1]، وبخع نفسه بلغ منها الجهد، وهو من قولهم: بخع الشاة إذا بلغ بذبحها القفا، وقوله: فظلت أعناقهم لها خاضعين، لما كان التطامن، والإذلال والخوضع والاستسلام يظهر كله في العنق نسب الخضوع إليها، ورمز بهذا الجمع الذي هو جمع السالم حين قال: خاضعين، إلى أن الصفة في الحقيقة للقوم؛ لأن خاضعين لا يأتي إلا في أوصاف العقلاء، وانظر إلى قوله: فظلت، بصيغة الماضي والسياق كله للمستقبل، وكيف أفادت هذه الصيغة سرعة الامتثال حتى كأن هذا الحدث من أحداث الزمن الذي سلف، والصورة كما ترى غنية بالإيحاء دقيقة في التصوير تجسد مشهدا من مشاهد الرهبة، والخضوع المستسلم الصامت الذليل.
ومما يذكره البلاغيون من شواهد تهيئة العبارة لهذا المجاز حتى يحسن موقعه قول الشاعر يصف جمله الذي أحبه، وتناسى به طلاب العامرية؛ لأنه سمح في سيره كريم رقيق المشافر مرقال سريع السير ضامر البطن، قلق الضفر بسبب هذا الضمور، مثلم الأخفاف من كثرة السير، إذا أحسته الأفاعي تحيزت، وانقبضت رءوسها مخافة أخفافه، ثم أنه يقطع الليل بعين صادقة صافية كأنها زجاجة جال فيها الماء، ولم تمتلئ به قال: "من الطويل"
تناسى طلاب العامرية إذ نأت ... بأسجح مرقال الضحى قلق الضفر [1] الشعراء: 3، 4.
نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 135