نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 255
إلى الغيبة فيه معنى التشهير بهم، وكأنه يروي قصتهم لغيرهم؛ لأن هذه الطبائع العجيبة جديرة بأن تذاع وتروى، ثم فيه لطيفة أخرى هي أنهم كانوا في مقام الخطاب كائنين في الفلك: {كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ} ، فهم في مقام الشهود والوجود، ثم لما جرت بهم الريح ذهبوا بعيدا عن مقام الخطاب، فلاءم هذه الحال طريق الغيبة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ، وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} [1].
جرى الكلام على طريقة الخطاب في قوله: "أمتكم ... ربكم ... فاعبدون ... "، ثم انتقل إلى أسلوب الغيبة في قوله: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} ، والأمة المذكورة هي أمة المسلمين، قال الزمخشري في سعر هذه الالتفات: "كأنه ينعي عليهم ما أفسدوه إلى آخرين، ويقبح عندها فعلهم وقوله لهم: إلا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله"، ومعنى تقطيع الأمر صيرورة الأمة أحزابا، وفرقا بمخالفتها لمنهج القرآن الذي يؤلف بينها ويجمع وحدتها، وفي هذا الالتفات إشارة أخرى هي أن الله سبحانه ينصرف عن هذه الأمة حين يتقطع أمرها بينها، وفيه أيضًا أنها تغيب عن مشهد الحياة حين تنحرف عن منهج القرآن، وانظر إلى الصورة الحية الكامنة في قوله: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} ، وكيف يصير أمر الأمة وقوتها، وكيانها قطعا حين الاختلاف، ويخربون بأيديهم أمرها، وشأنها ويهدمون قوتها وريحها.
الصورة الخامسة: الانتقال من الغيبة إلى التكلم
ومنه قوله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ} [2]، قال: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ} ، فجرى على طريق الغيبة، ثم قال: {فَسُقْنَاهُ} ، وكان مقتضى الظاهر أن يقول: فساقه، ولكنه انتقل إلى التكلم ليحدث إيقاظًا عند هذا المقطع المهم من مقاطع المعنى [1] الأنبياء: 92-93. [2] فاطر: 9.
نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 255