والغراب يوصف بالتَّقييد لقصر نساه، قال الشاعر:
ومقيّدٍ بين الدِّيار كأنَّه ... حبشيُّ داجنةٍ يخرُّ ويعتلي
فيقول بشَّارٌ: يا هذا! دعني من أباطيلك فإنِّي لمشغولٌ عنك. ويسأل عن امرىء القيس بن حجر، فيقل: ها هو ذا بحيث يسمعك. فيقول: يا أبا هند إنَّ رواة البغداديين ينشدون في قفا نبك، هذه الأبيات بزيادة الواو في أوَّلها، أعني قولك:
وكأنَّ ذرى رأس المجيمر غدوةً
وكذلك:
وكأنَّ مكاكيَّ الجواء
وكأنَ السِّباع فيه غرقى فيقول: أبعد الله أولئك! لقد أساؤوا الرواية، وإذا فعلوا ذلك فأيُّ فرقٍ يقع بين النّظم والنّثر؟ وإنما ذلك شيءٌ فعله من لا غريزة له في معرفة وزن القريض، فظنَّه المتأخِّرون أصلاً في المنظوم، وهيهات هيهات! فيقول: أخبرني عن قولك: كبكر المقاناة البياض بصفرةٍ ماذا أردت بالبكر؟ فقد اختلف المتأوِّلون في ذلك فقالوا: البيضة، وقالوا: الدُّرّة، وقالوا: الرّوضة، وقالوا الزّهرة، وقالوا: البرديّة.
وكيف تنشد: البياضِ، أم البياضَ، أم البياضُ؟ فيقول: كلُّ ذلك حسنٌ، وأختار البياض، بالكسر، فيقول: فرَّغ الله ذهنه للآداب: لو شرحت لك ما قال النحويّون في ذلك لعجبت. وبعض المعلِّمين ينشد قولك.
من السِّيل والغثاء فلكة مغزل
فيشدِّد الثاءً. فيقول: إنّ هذا لجهولٌ. وهو نقيض الذين زادو الواو في أوائل الأبيات: أولئك أرادوا النَّسق، فأفسدوا الوزن: وهذا البأس أراد أن يضحِّح الزَّنة فأفسد اللّفظ. وكذلك قولي:
فجئت وفد نضَّت لنومٍ ثيابها
منهم من يشدِّد الضاد، ومنهم من ينشد بالتخفيف، والوجهان من قولك: نضوت الثّوب. إلاّ أنك إذا شد؟؟ ّ؟ دت الضاد، أشّبه الفعل من النّضيض، يقال: هذه