فأصبح محبورًا [1] ينظر حوله ... بغبطته لو أن ذلك دائم
وعندي من الأيام ما ليس عنده ... فقلت تَعَلَّم إنما أنت حالم2
لعلك يومًا أن تراعي بفاجع ... كما راعني النُّتاءَةِ سالِمُ3
وقد برز عنصر التهذيب والتعليم بقوة في شعر زهير، ولا سيما في معاني العتاب والزهد، حتى ظن بعض العلماء أنه خاضع لتأثير النصرانية، نعم كان تأثير النصرانية واسع الانتشار قديِمًا في جزيرة العرب بيد أنه لا يجوز من أجل ذلك عدّه نصرانيًّا[4].
ويقول ابن قتيبة: كان زهير يتأله ويتعفف في شعره. ومن معلقته ما يحمل على القول إنه كان مؤمنًا بالله وبالبعث والحساب بدليل قوله:
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ... ليخفي ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ... ليوم الحساب أو يعجّل فينقم5
وكان يعنى بتنقيح شعره وتهذيبه، وقد رويت له أربع قصائد سميت بالحوليات أي السنويات، وزعم رواة أخباره أنه كان ينظم الواحدة منها في أربعة أشهر، وينقحها في أربعة أشهر، ويعرضها على أخصّائه في أربعة أشهر، فلا تظهر إلا بعد حول.
وأشهر شعره معلّقته التي مطلعها: "أمِنْ أُمّ أوْفى دمنة لَمْ تكلَّم"، ويتميز بمتانة لغته وقوة تركيبه، وكثرة الغريب في شعره، وبتطلبه حقيقة المعنى الوضعي ليخرجه على ماديته الحقيقية، وبتحكيمه عقله ورويته في تصوراته وخياله، فلا يبتعد، إلا في النادر، عن الحقائق الواقعية المحسوسة.
وهو أشهر شعراء الجاهلية في إعطاء الحكمة وضرب المثل، وعرف في حياته [1] المحبور: المنعم.
2 يخاطب ابنه يقول: ما أنت فيه من السرور والشباب بمنزلة الحمام.
3 أبو الفرج الأصبهاني، الأغاني، ج10، ص 321، 322. [4] بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، ج1، ص95.
5 ابن قتيبة، الشعر والشعراء، ج1، ص145.