بالرصانة والتعقّل، وهو شخصية ممتازة من شخصيات الشعر الجاهليّ، شخصية فيها بر ورحمة وفيها نزعة قوية إلى الخير.
وآراؤه ليست إلا من أوليات التفكير الإنساني وتفكير الشعب، وهذه الآراء هي التي جعلته قريبًا من الشعب؛ لأنه كان يكلمه فيها بما يعرف ويألف. وتحكيمه عقله في شعره، وإعماله تفكيره فيه، أضعفا عمل خياله، وعمل عاطفته، فلا تجد لهما عنده من الحّظ إلا يسيرًا، ومما يدل على تعقله وحنكته وسعة صدره حكمه في معلقته.
وقد جمع خلاصة التقاضي في بيت واحد وهو:
وإنَّ الحق مَقطَعُهُ ثلاثٌ ... يمين أو نفارٌ أو جِلاءُ
ولا ريب أنَّ لكبر سنة تأثيرًا في خمود عاطفته وضعف خياله، فكل شعره يدلنا على أنه نظمه في حرب داحس والغبراء، وبعدها خاصة عندما بلغ الثمانين على حدّ قوله، أو تجاوزه، فمن البديهي أن يغلب عليه التعقل والترصن، وأن يكون للعقل العمل المهيمن في نتاجه الشعريّ.
وحياة زهير من الوجهة الأدبية طريفة، يقول الأصبهاني: "كان أبوه شاعرًا، وخاله شاعرًا، وأخته سُلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة، وهي القائلة ترثيه:
وما يُغني تَوَقِّي الموت شيئًا ... ولا عَقْدُ التميم ولا الغضار1
إذا لاقى منيته فأمسى ... يساق به وقد حق الحذار
ولاقاه من الأيام يومٌ ... كما من قَبْلُ لم يَخْلُد قدارُ2
وابن ابنه المضرّب بن كعب بن زهير شاعر، وهو القائل:
إني لأحبس نفسي وهي صادية ... عن مصعب ولقد بانت لِيَ الطُرُقُ
رُعْوَى عليه كما أرعى على هَرِمٍ ... جدّي زهير وفينا ذلك الْخُلُقُ
ــ
1 الغضار: الخزف الأخضر، كان أحدهم إذا خشي على نفسه يعلّق في عنقه خزفًا أخضر.
2 قدار: هو قدار بن سالف عاقر الناقة.