إلا في الترات[1]. فلما نظروا إليه قاموا له وبدر إليه قبيصة: إنك في المحل والقدر والمعرفة بتصرُّف الدهر، وما تحدثه أيامه، وتتنقل به أحواله، بحيث لا تحتاج إلى تبصير واعظ، ولا تذكرة مجرّب، ولك من سؤدد منصبك وشرف أعراقك، وكرم أصلك في العرب محتمل يحتمل ما حمل عليه من إقالة العثرة ورجوع عن هفوة. ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلا رجعت إليك. فوجدت عندك من فضيلة الرأي وبصيرة الفهم وكرم الصفح في الذي كان من الخطب الجليل، الذي عمَّت رَزيَّته نزارًا واليمن، ولم تخصص كندة بذلك دوننا، للشرف البارع.
كان لحجر التاج والعمَّة فوق الجبين الكريم، وإخاء الحمد وطيب الشيم، ولو كان يُفدى هالك بالأنفس بعده لما بخلت كرائمنا على مثله ببذل ذلك ولفديناه منه. ولكن مضى به سبيل لا يرجع أولاه على أخراه، ولا يلحق أقصاه أدناه، إمَّا أن اخترت من بني أسد أشرفها بيتًا وأعلاها في بناء المكرمات صوتًا، فَقُدناه إليك بنسعِهِ[2] يذهب مع شفرات حسامك فيقال: رجل امتُحن بهلك عزيز، فلم تستل سخيمته[3] إلا بتمكينه من الانتقام، أو فداء بما يروح من بني أسد من نَعَمها، فهي ألوف تجاوز الحسبة، فكان ذلك فداء رجعت به القضب إلى أجفانها[4]، لم يردده تسليط الإحَن على البُراء[5]، وإما أن توادعنا حتى تضع الحوامل فنسدل الأزرَ، ونعقد الخمُر فوق الرايات.
فبكى امرؤ القيس ساعة ثم رفع رأسه فقال: لقد علمت العرب أن لا كفءَ لحجر في دم، وإني لن أعتاض به جملًا أو ناقة، فأكتسب بذلك سبَّة الأبد وفتَّ العضد. وأما النظرة، فقد أوجبتها الأجنة في بطون أمهاتها، ولن أكون لعطبها سبَبًا، وستعرفون طلائع كندة، من بعد ذلك، تحمل القلوب حنُقًا، وفوق الأسنة علقًا[6]. [1] التراث: الواحدة ترة: الانتقام. [2] النسعة: سير يشد به الخف في الرجل. [3] السخمة: الضغينة. [4] القضب: السيوف. أجفانها: أغمادها. [5] الإحن، الواحدة إحنة: الحقد. البراء: البريء. [6] العلق: الدم.