نام کتاب : شرح ديوان المتنبي نویسنده : الواحدي جلد : 1 صفحه : 15
يقول لشدة ما لحقهم من الخوف ضاقت عليهم الأرض فلم يجدوا مهربا كقوله تعالى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وهاربهم إذا رأى غير شيءٍ يعبأُ به أو يفكر في مثله ظنه إنسانا يطلبه وكذا عادة الهارب الخائف كقول جرير، ما زلت تحسبُ كل شيءٍ بعدهمْ، خيلاً تكثر عليهم ورجالاً، قال أبو عبيدة لما أنشد الأخطل قول جرير فيه هذا قال سرقه والله من كتاب الله تعالى يحسبون كل صيحةٍ عليهم الآية ويجوز حذف الصفة وترك الموصوف دالا عليها كما روى في الحديث لا صلوة لجارِ المسجد إلا في المسجد أجمعوا على أن المعنى لا صلاة فاضلةٌ كاملةٌ ويقولون هذا ليس بشيءٍ معناه ليس بشيءٍ جيدٍ أو ليس بشيءٍ يعبأُ به وقال بعض المتكلمين إن الله خلق الأشياء من لا شيءِ فقيل هذا خطأ لأن لا شيئا لا يخلق منه شيءٌ ومن قال أن الله تعالى يخلق من لا شيءٍ جعل لا شيءَ شيئاً يخلقُ منه والصحيح أن يقال يخلق لا من شيء لأنه إذا قال لا من شيءٍ نفى أن يكون قبل خلقه شيءٌ يخلق منه الأشياء وكان الأستاذ أبو بكر يقول رأى في هذا البيت من رأى القلب لا من رأى العين يريد به التوهم وغير الشيء يجوز أن يتوهم ولا يجوز أن يرى ومثل هذا في المعنى قول العوام بن عبد بن عمرو، ولو أنها عصفورةٌ لحسبتها، مسومةً تدعو عبيداً وأزنما،
فبعده وإلى ذا اليوم لو ركضت ... بالخيل في لهواتِ الطفلِ ما سعلا
أي بعد الأمير أو بعد اليوم الذي بادت فيه أو بعد اسلامهم الحلل إلى اليوم الذي نحن فيه لو ركضت بنو تميم خيلهم في لهوات صبيّ صغير لما شعر بهم حتى يسعل لقلتهم وذلتهم وقد بالغ رحمه الله تعالى حتى احال.
فقد تركتَ الأولى لاقيتهم جزراً ... وقد قتلتَ الأولى لم تلقهم وجلاً
الأولى بمعنى الذين والجزر ما ألقى للسباع ومنه قول عنترة، فتركته جزر السباعِ ينشنه، ويقال ما كانوا إلا جزرا لسيوفنا أي الذين نقتلهم نلقيهم للسباع يقول الذين قاتلتهم القيتم للسباع والذين لم تقاتلهم قتلتهم بالخوف منك.
كم مهمةٍ قذفٍ قلب الدليلِ به ... قلبُ المحب قضاني بعد ما مطلا
المهمة ما اتسع من الأرض والقذف البعيد جعل قلبَ من يدلهم على الطريق في هذا المهمة قلب العاشق لاضطرابه وخوفه من الهلاك وقوله قضاني بعد ما مطلا أي قطعته بعد ما طال فيه السير وهذا استعارةٌ لأن المهمة كالمطلوب منه انقطاعه بالمسير فيه وهو بطوله وتأخر انقطاعه كالماطل بما يقتضي منه.
عقدت بالنجم طرفي في مفاوزه ... وحر وجهي بحرِ الشمس إذا أفلا
يقول كنت أنظر إلى النجوم متصلا مخافة الضلال يعني بالليل وإلى الشمس أي بالنهار إذا أفل النجم ولدوام نظره إلى النجم جعل ذلك عقدا للطرف به حتى لا يصرف عنه بصره وحرّ الوجه الوجنة واشرف موضع في الوجه وإنما يهتدي في الفلاة إلى الطريق ليلاً بالنجم ونهاراً بالشمس.
أنكحتُ صمَّ حصاها خف يعملةٍ ... تغشمرت بي إليك السهلَ والجبلا
الصم الصلاب الشداد من كل شيء واليعملة الناقة القوية لأنها تعمل السير وتغشمرت تعسفت وركصت على غير قصدٍ يقول اوطأت خف ناقتي حجارةَ المفاوز حتى وطئتها وسارت بي إليك في السهل والجبل على غير الطريق.
لو كنتَ حشوَ قميصي فوقَ نمرقها ... سمعتَ للجن في غيطانها زجلا
حشو الشيء ما في باطنه والنمرق وسادة يعتمد عليها الراكب والغيطان جمع الغائط وهو المطمئن من الأرض والزجل الصياح والجلبة يقول لو كنت بدلي في قميصي فوق نمرق ناقتي سمعت أصوات الجن من منخفضات هذه المفاوز أي أنها مساكن الجن لبعدها من الإنس والعرب إذا وصفت المكان بالبعد جعلته مساكن الجن كما قال الأخطل، ملاعبُ جنانٍ كأن ترابها، إذا أطردت فيها الرياح مغربلُ، وبيت المتنبي من قول ذي الرمّة، للجنب بالليل في حافاتها زجلٌ، كما تجاوب يوم الريح عيشوم،
حتى وصلتُ بنفسٍ مات أكثرها ... وليتني عشت منها بالذي فضلا
مات أكثرها ذهب أكثر لحمها وقوتها لما قاست من هول الطريق وشدته ثم تمنى أنه يعيش بما بقي من نفسه ليقضي حق خدمة الممدوح.
أرجوا نداك ولا أخشى المطالَ به ... يا من إذا وهبَ الدنيا فقد بخلا
نام کتاب : شرح ديوان المتنبي نویسنده : الواحدي جلد : 1 صفحه : 15