نام کتاب : شرح ديوان المتنبي نویسنده : الواحدي جلد : 1 صفحه : 339
يريد أنه كتوم للأسرار يضع السر حيث يطلع عليه النديم ولا يصل إليه الشراب مع تغلغله في البدن كما قال الآخر، يظلون شتى في البلاد وسرهم، إلى صخرةٍ أعيا الرجال انصداعها، وقد نظر أبو الطيب في هذا البيت إلى قول الآخر، تغلغل حيث لم يبلغ شراب، ولا حزن ولم يبلغ سرور،
وللخود مني ساعة ثم بيننا ... فلاة إلى غير اللقاء تجابُ
يقول إنما أصحب المرأة قدرا يسير ثم أسافر عنها فيكون بيننا فلاة تقطع عنها لا إليها فهي تقطع إلى غير لقاء الخود
وما العشق إلا غرة وطماعةٌ ... يعرض قلبٌ نفسه فتصابُ
يقول عشق النساء اغترار وانخداع وطمع في وصلهن وذلك من تعريض القلب نفس صاحبه لعشقهن فإذا عرض القلب النفس أصيبت النفس بالعشق يعني أن القلب يشتهي أولا ويدعو النفس فتتبعه هذا إذا جعلت النفس غير القلب وإن أردت بالنفس نفس القلب وعينه وذاته قلت فيصاب بالياء ومعناه أن القلب يوقع نفسه في العشق بتعرضه لذلك
وغير فؤادي للغواني رميةٌ ... وغير بناني للزجاج ركابُ
الرمية الطريدة التي ترمي يقول قلبي لا تصيبه النسوان بسهام الحاظهن لأني لا أميل إليهن فأني لست غزلا زيراً بل أنا عزهاة عزوف النفس عنهن ولا أحب الخمر ومعاقرتها فبناني لا تصير مركبا للزجاج أي لا أحمل كأس الخمر بيدي وروى ابن جنى للرخاخ بالخاء المعجمة وقال أني لست ممن يصبو إلى الغواني واللهو بالشطرنج وقال ابن فورجة البنان ركاب للقدح وأما الرخ فالبنان راكبة له في حال حمله وأيضا فأنه كلمة أعجمية لم يستعملها العرب القدماء ولا الفصحاء وأيضا فإن التنزه عن شرب الخمر اليق بالتنزه عن الغزل من التنزه عن لعب الشطرنج
تركنا لأطراف القنا كل شهوةٍ ... فليس لنا إلا بهن لعابُ
لعاب ملاعبة يقول تركنا ما تشتهيه النفوس من الملاهي فلهونا الطعان بالرماح يريد أنه فطم نفسه عن الملاهي وقصرها على الجد في طعان الأعداء
نصرفهُ للطعن فوق حوادرِ ... قد انقصفت فيهن منه كعابُ
أي نصرف القنا فوق خيل غلاظ سمان قد انكسرت فيها كعاب من القنا وروى عليّ بن حمزة خوادر أي كأنها اصابها الخدر لما لحقها من التعب والجراحات وروى ابن جنى حواذر معجمة وقال يعني خيلا تحذر الطعن لأنها معودة وهذه الرواية ضعيفة لأنه قال في باقي البيت قد انقصفت فيهن منه كعاب فكيف يصفها بالحذر وقد أخبر بانكسار الرماح فيها والبيت من قول عبد يغوث بن وقاص الحارثي، وكنت إذا ما الخيلُ شمسها القنا، لبيقا بتصريف القناة بنانيا،
أعز مكانٍ في الدنى سرج سابحٍ ... وخير جليسٍ في الزمان كتابُ
جعل السرج أعز مكان لنه يسافر عليه فيطلب المعالي أو يهرب من الضيم واحتمال الذل أو يحارب عدوا يدفع عن نفسه شره وجعل الكتاب خير جليس لأنه يأمن شره ولا يحتاج في مجالسته إلى مؤونة والكتاب يقص عليه انباء الماضين فهو خير جليس كما قال القاضي حسن ابن عبد العزيز، ما تطعمت لذة العيش حتى، صرت في وحدتي لكتبي جليسا،
وبحرٌ أبو المسك الخضم الذي له ... على كل بحرٍ زخرةٌ وعبابُ
بحر خبر مقدم على المبتدأ لأن التقدير وأبو المسك الخضم بحر وروى ابن جنى بحرٍ بالجر عطفا على جليس كأنه قال وخير بحر أبو المسك والخضم الكثير الماء ومنه قول بشار، دعاني إلى عمرٍ جوده، وقول العشيرة بحر خضم، والزخرة الأمتلاء بالماء وكثرته
تجاوز قدر المدح حتى كأنه ... بأحسن ما يثني عليه يعابُ
يقول هو أجل من كل مدح يثني عليه به فإذا بالغت في حسن الثناء عليه استحق قدره فوق ذلك فيصير ذلك الثناء الحسن كأنه عيب لقصوره عن استحقاقه كما قال البحتري، جل عن مذهب المديح فقد كاد يكون المديح فيه هجاءا، وكرره أبو الطيب فقال، وعظم قدرك في الآفاق أوهمني، أني بقلةِ ما أثنيت أهجوكا،
وغالبه الأعداء ثم عنوا له ... كما غالبت بيض السيوف رقابُ
أي لم يجدوا طريقا إلى غلبته فخضعوا له وانقادوا كالرقاب إذا غالبت السيوف صارت مغلوبة
وأكثر ما تلقى أبا المسك بذلةً ... إذا لم يصن إلا الحديد ثيابُ
نام کتاب : شرح ديوان المتنبي نویسنده : الواحدي جلد : 1 صفحه : 339