نام کتاب : شرح ديوان المتنبي نویسنده : الواحدي جلد : 1 صفحه : 365
يقول لفظه لحلاوته ثمن للقلوب يعني أنه يملك القلوب بحالاوة لفظه فيتصرف فيها كما يريد بصفة البلاغة وإن شئت قلت أن الفاظه عزيزة تجعل القلوب أثمانا لها لم توجد بغيرها وقوله تباع وتشترى أي الناس يبيعون وهو يشتريها فيصير مالكا لها وإن شئت جعلت الشراء بيعا فيكون مكررا بلفظين معناهما واحدٌ
من لا تريه الحرب خلقاً مقبلا ... فيها ولا خلقٌ يراه مدبرا
أي لا يقبل إليه أحد في الحرب تهيبا له ولا يدبر هو عن قرنِ
خنثى الفحول من الكماة بصبغهِ ... ما يلبسون من الحديد معصفرا
خنثى الفحول جعلهم كالمخنثين يقال خنثى يخنثى خنثاةً وهذا رواية ابن جنى وابن فورجة وروى غيرهما خنث الفحول أي انكسروا عند اعماله الضرب فيهم والأولى أجود لأنه ذكر صبغة لباسهم والثوب المعصفر المصبوغ من ثياب النساء وذوي التخنيث
يتكسب القصب الضعيف بكفهِ ... شرفاً على صم الرماحِ ومفخرا
روى ابن جنى بخطه يقول قلمه أشرف من الرماح لأن كفه تباشره عند الخط فيحصل له الشرف والفخر على الرماح التي لم يباشرها بكفه
ويبين فيما مس منه بنانهُ ... تيه المدل فلو مشى لتبخترا
يقول كل شيء مسه ببنانه ظهر فيه الكبر حتى لو مشى ذلك الشيء لتبختر تشرفا بمسه إياه
أمن إذا ورد البلاد كتابهُ ... قبل الجيوش ثنى الجيوش تحيرا
يقول كتابه يعمل عمل الجيش فإن من ورد عليهم كتابه يتحيرون في حسن لفظه وبدائع معاني كلامه فيستعظمونه فينصرفون أو أنه يسحرهم ببيانه فينصرفون عنه حين عمل فيهم كلامه عمل السحر
أنت الوحيد إذا ارتكبت طريقةً ... ومن الرديف وقد ركبت غضنفرا
يقول أنت فرد الطريقة في كل أمر تقصده لا يقدر أحد أن يقتدي بك في طريقتك كراكب الأسد لا يقدر أحدٌ أن يكون رديفا له وعلى هذا القول الغضنفر مركوب ويجوز أن يكون حالا للممدوح يقول لا يقدر أحد أن يكون رديفا لك فإنك غضنفر
قطف الرجال القول قبل نباتهِ ... وقطفت أنت القول لما نورا
يقول أقوال الناس كالثمر تقطف قبل ينعها وإدراكها وقولك كالنبات المتناهي في نبته يعني أنه تام بالغ في فيه عذب الكلام والنبات إذا نور فهو غاية تمامه ومعنى قوله قبل تمام نباته فحذف المضاف ويروي وقت نباته
فهو المشيع بالمسامعِ إن مضى ... وهو المضاعف حسنهُ إن كررا
يقول الأسماع تتبع قولك إذا مضى حبا له وشغفا به وإذا كرر إزداد حسنه وإنما قال هذا لأن الكلام إذا أعيد سمج وإذا تكرر تكرد وكلام الممدوح يتضاعف حسنه عند التكريم وهذا منقول من أبي نواس يزيدك وجهه حسنا، إذا ما زدته نظراً،
وإذا سكت فإن أبلغ خاطبٍ ... قلمٌ لك اتخذ الأصابعَ منبراً
أي أن قلمه إذا ركب أصابعه في كتابه كان أبلغ خاطب عند سكوت الممدوح
ورسائل قطع العداة سحاءها ... فرأوا قناً وأسنةً وسنورا
هذا البيت كالتفسير لقوله ثنى الجيوش تحيرا يقول الأعداء إذا قطعوا سحاء كتبك ورسائلك رأوا من بلاغتك وجزالة ألفاظك ما يقتلهم غيظا وحسدا وييأسون معه من الإقتدار عليك فيقوم لذلك مقام السلاح في دفع الأعداء ومثل هذا ما يحكي أن الرشيد كتب في جواب كتاب ملك الروم قرأت كتابك والجواب ما تراه لا ما تقرأه فأنظر إلى هذا اللفظ الوجيز كيف يملأ الأحشاء نارا، ويدع القلوب أعشارا، ويشعر النفوس حذارا، ويعقب إقدام ذوي الأقدام نكوصا وفرارا، والسنور الحديد والدروع
فدعاك حسدك الرئيس وأمسكوا ... ودعاك خالقك الرئيس الأكبرا
خلفت صفاتك في العيون كلامهُ ... كالخطِ يملأ مسمعي من أبصرا
يقول الصفات الشريفة التي خصك الله بها تخلف كلام الله تعالى في الدلالة على أنك أفضل الناس فصار كأنه دعاك الأكبر قولا من حيث دعاك فعلا كالخط فإن من كاتب كمن شافه وخاطب ومن علم أنك مستحق عند الله لأن تسمى الرئيس الأكبر