وثراء الروح الشعري بين القبائل، مما سيترتب عليه اختلاف حظوظ الميادين المختلفة في وفرة النتاج الشعري أو قلته أو قدرته، ووسم الأمصار الإسلامية فيما بعد الفتوح بهذه الصفات على اختلافها.
وهكذا يذهب الباب الأول الذي يعالج الشعر في الفتوح بفصوله الثلاثة في هذا السبيل، بينما يذهب الباب الثاني الذي يعالج شعراء الفتح في التعريف بهم، ومناقشة ما يشيع حولهم من مشكلات، سببها تنوعهم وتعددهم بين شعراء قدماء مخضرمين، ومحاربين أنطقتهم الفتوح ولم يكن لهم شهرة بالشعر، ومجهولين ينسب شعرهم لغير قائل.
وكان طبيعيًّا أن يجد الدارس ضرورة إعطاء نموذج للشعراء المخضرمين الذين أسهموا في الفتوح بسيوفهم وألسنتهم كعمرو بن معديكرب الزبيدي، ونموذج آخر للشعراء المؤمنين الخلص الذين أنتجتهم الفتوحات كالقعقاع بن عمرو التميمي.
وبهذا يذهب الباب الثاني بفصوله الثلاثة في شعراء الفتح، ليعقبه الباب الثالث في فصول أربعة، تعالج في دراسة فنية مقومات الشعر وطوابعه، فتتناول في فصل منها أنواعه وموضوعاته، وما تطور منها وما لم يتطور، وما استحدث منها وسبب استحداثه ودواعيه، وتتناول الطوابع الإسلامية في فصل آخر، تتبين خلاله الآثار الإسلامية في هذا الشعر، من صدوره عن وجدان الجماعة، والأخوة الجديدة الإسلامية، وروح الدين ومثله، وتصور أحاسيس المحاربين ومشاعرهم الدينية الجديدة، وما تأتي لهم من صياغة المعاني الإسلامية المتعددة في أشعارهم.
وفي فصل آخر تناولت الدراسة ما وسم هذا الشعر من السمات الشعبية، التي بعثها تعلق المسلمين بأحداث الفتوح ورواياتها وزخرفتها والتغني بها، وما وجد من شعر مجهول القائل كثير، وعرضت الدراسة لأحاديث البطولة هذه بين الواقع والأسطورة، ولقصص الفرسان المشاهير وتلونها ونموها وتضخمها، كما حاولت الكشف عن هذه الآثار الناجمة عن كل هذا في الشعر الشعبي.