يصرح لهم بالقعود ... فهذه امراة النابغة الجعدي تناشده الله أن يبقى، ولكنه يجيبها بأنه لا عذر له في القعود:
باتت تذكرني بالله قاعدة ... والدمع ينهل من شأنيهما سبلا
يابنت عمي كتاب الله أخرجني ... كرهًا وهل أمنعن الله ما بذلا
فإن رجعت فرب الناس أرجعني ... وإن لحقت بربي فابتغي بدلًا
ما كنت أعرج أو أعمى فيعذرني ... أو ضارعًا من ضنى لم يستطع حولًا1
وكذلك كان الشبان من المسلمين في مقتبل العمر لا يستطيعون مقاومة اللهفة إلى الجهاد، فيخلفون وراءهم آباء ضعافًا، يخافون عليهم ويبكونهم، ولكنهم لا يحفلون بهم ولا بدموعهم. كما فعل شيبان بن المخبل السعدي مع أبيه؛ إذ خرج مع سعد بن أبي وقاص إلى غزو الفرس، وكان أبوه قد أسن وضعف، فما برح يناديه، ويتحسر على وحدته بعده، وجدًا عليه وإشفاقًا وهلعًا، يقول:
أيهلكني شيبان في كل ليلة ... لقلبي من خوف الفراق وجيب
ويخبرني شيبان أن لم يعقني ... تعق إذا فارقتني وتحوب
فإن يك غصني أصبح اليوم باليا ... وغصنك من ماء الشباب رطيب
فإن حنت ظهري خطوب تتابعت ... فمشيي ضعيف في الرجال دبيب
إذا قال صحبي يا ربيع ألا ترى ... أرى الشخص كالشخصين وهو قريب
أشيبان ما يدريك أن كل ليلة ... غبقتك فيها والغبوق حبيب2
وهذا كلاب بن أمية بن الأسكر يسأل طلحة والزبير عن أفضل الأعمال، فيخبرانه أنه الجهاد في سبيل الله، فيقصد عمر رضي الله عنه يسأله الجهاد، فيبعث به إلى العراق، ولكن أباه يناشده الأبوة والعجز أن يبقى، فيوليه ظهره، ويتوجه إلى العراق مخلفًا أباه ينتحب ويقول:
1 الشعر والشعراء ج1، ص251، 252.
2 الإصابة ج3، ص227، الأغاني "ساسي" ج12، ص38.