وقد سميت هذه الموقعة بفتح الفتوح؛ لأنه لم يكن بعدها كبير حرب، وتابع القعقاع المنهزمين حتى همذان، فاحتواها وملكها المسلمون[1].
وقد وضع سقوط نهاوند بعد كل هذا الحشد الذي حشده الفرس نهاية للمقاومة الفارسية الرسمية، وأصبحت المقاومة جهودًا فردية، يقوم بها حكام المقاطعات في غير تساند أو نظام لحماية "يزدجرد" فحسب. وعملًا بنصيحة الأحنف بن قيس في وجوب القضاء على يزدجرد أذن عمر للمسلمين بالانسياح في بلاد الفرس لقطع دابر الشغب، حتى ييئس الملك من عودة ملكه إليه، فلا يظل شوكة في جنب المسلمين، وييئس الفرس فلا يجتمعون حوله.
عين عمر رؤساء الجند لافتتاح فارس، وأرسل إليهم بالألوية، الأحنف بن قيس إلى خراسان، وعثمان بن أبي العاص الثقفي إلى أصطخر، وسارية بن زنيم الكناني إلى فاسودراخرد، وسهيل بن عدي إلى كرمان، وعاصم بن عمرو التميمي إلى سجستان، والحكم بن عمير التغلبي إلى مكران.
وكان يزدجرد قد لجأ إلى أصفهان من نهاوند، فتابع المسلمون تقدمهم حتى غلبوا عليها. فكان أن تحدر هو إلى أصطخر[2]، ولكنها لم تكن الملجأ الحصين؛ إذ كان المسلمون يتقدمون من البصرة إلى الأهواز وخوزستان، ويقفزون من البحرين إلى الشاطئ الشرقي المقابل للخليج الفارسي، فغادر يزدجرد أصطخر إلى المقاطعات العليا من طبرستان، يلبي دعوة جاءته من مرزبانها[3].
وبعد أن يحتل المسلمون أصطخر ينساحون في مواطن متفرقة عن إذن عمر. وتترى مدن خراسان تتساقط في يدي الأحنف.. الطبسين.. فهراء.. فمرو الشاهجان.. فنيسابور. ثم يهرب يزدجرد إلى خاقان، ملك الترك فيما وراء النهر[4].
ولا يلبث ولاء أمراء المقاطعات ليزدجرد أن يتناقص بازدياد تفكيرهم في مطامعهم الشخصية، والرغبة في الاحتفاظ بنفوذهم. وبعد سلسلة طويلة من التنقلات يقتل يزدجرد في مرو، وبقتله يسقط التاج الساساني إلى الأبد. [1] ياقوت ج4 ص838. [2] الطبري 1/ 5/ 2562. [3] بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية ص126. [4] ياقوت ج4 ص409.