وكان المسلمون قد بلغوا في تتبعهم ليزدجرد إلى حدود النهر، فكتب عمر إلى الأحنف بطل هذه الوثبة بألا يجوز النهر، وبأن يقتصر على ما دونه[1]، ولكن انسياح المسلمين لم يتوقف؛ لأن انتقاض البلدان والمناطق المفتوحة لم يتوقف هو الآخر، فلم يبقَ إقليم لم ينتقض بعد فتحه، وبخاصة في أطراف المنطقة الشرقية بخراسان، التي اشتد انتقاضها وكفرها في خلافة عثمان[2].
وفي الوقت الذي كان فيه المسلمون يستشرفون نهر جيحون كانت جيوش أخرى تجوز الخليج الفارسي؛ لتنساح في منطقة فارس وسواحل كرمان، ثم تتقدم بعد ذلك إلى مكران، حتى تبلغ قريبًا من السند. ويذكر أن عمر كان قد أوصى بألا يتقدم المسلمون إلى كرمان، بعد أن أخبره صحار العبدي بسوئها.. ولكن الحكم بن عمير التغلبي يتقدم إليها ويجوزها. وتوالت ظروف الانتقاض والثورة، فلم يستطع المسلمون الإذعان لهذا الأمر ولم يقنعوا بما في أيديهم.
وتكاد تذهب خلافة عثمان رضي الله عنه كلها في محاولة تأكيد الفتح الإسلامي، والمحافظة على الثغور، وإعادة من شق العصا إلى الطاعة، إذا ما استثنينا فتح طبرستان، الذي تم على يد سعيد بن أبي العاص سنة 29هـ. فهذه أذربيجان تنتقض في إمارة الوليد بن عقبة سنة 25هـ فيغزوها ويعيدها إلى ما كانت عليه[3]. وهذه فارس تنتقض في ولاية عبد الله بن عامر على البصرة، ويقتل أهلها أميرهم عبيد الله بن معمر، فيسير إليهم عبد الله بن عامر ويستردها[4].
وأخذ المسلمون يتدفقون لاستثمار انتصاراتهم في خراسان، معبرين عن مدى الانطلاق الروحي، راغبين في القضاء على المقاومات والانتقاضات. فأخذنا نسمع عن أول من عبر النهر؛ كعبد الله بن عامر والحكم بن عمرو الغفاري وسعيد بن عثمان، الذي ولاه معاوية خراسان[5]، إلى أن يستكمل فتح هذه المنطقة قتيبة بن مسلم.
وهكذا تصير إلى العرب تلك المنطقة، التي يحدها من الغرب نهر الفرات، ومن الشرق نهر جيحون والسند، ومن الجنوب المحيط الهندي، ومن الشمال أرمينية وطبرستان في فترة وجيزة من الزمن، برغم أن مثل هذه الأعمال العظيمة لا تقاس بالفترات ولا بالسنين.
وقد رافق الشعر المسلمين في تقدمهم خطوة بخطوة، طوال هذا الطريق المشرق، وواكب المد المنطلق إلى غايته، كما سنرى فيما بعد. [1] الطبري 1/ 5/ 2685. [2] الطبري 1/ 5/ 2689. [3] ياقوت ج1، ص173. [4] ياقوت ج2، ص412. [5] البلاذري ص408، 412.