وشمالية وغربية، من حيث بيئاته الجديدة وظروفها المختلفة، ومن حيث تسجيله للأحداث والمعارك، ومن حيث وفرته وقلته وحظوظ القبائل المضرية واليمنية، واختلاف هذه الحظوظ باختلاف مواهبها الشعرية.
ثم درس شعراء الفتوح دراسة قويمة وزعهم فيها على ثلاث طوائف: طائفة كانت تصوغ الشعر وتنظمه في الجاهلية قبل دخولها في الإسلام، وطائفة لم تكن تصوغه ولا كانت تنظمه قديمًا، فقد أنطقتها به وأسالته على لسانها الفتوح ومعاركها الدائرة، وطائفة لم تعرف أسماؤها ولا تبين الرواة أشخاصها، واتخذ من عمرو بن معديكرب الزبيدي مثالًا للطائفة الأولى وصوَّر شخصيته تصويرًا تامًّا، كما اتخذ القعقاع بن عمرو التميمي مثالًا للطائفة الثانية مبرزًا فيه صورة الشاب العربي المسلم الذي تمثل أشعاره استبساله العنيف في سبيل عقيدته وتراميه على حياض الموت ابتغاء رضوان الله وحسن مثوبته.
وأخذ بعد ذلك يدرس شعر الفتوح مستنبطًا مقوماته وانطباعاته وخصائص معانيه وأساليبه، ولاحظ شيوع الأراجيز والمقطوعات القصيرة فيه وفاء بحاجة المجاهدين إلى أناشيد قصيرة تستثير حماستهم وتشعل حميتهم، كما لاحظ تطورًا واضحًا في موضوعاته القديمة بتأثير الدوافع الإسلامية التي رافقتها وما صبته فيها من إشعاعات روحية. وتبين بجانب ذلك موضوعات جديدة لم يكن للعرب بها عهد، في مقدمتها حنين مؤثر كان يعصف بقلوب هؤلاء المحاربين حين يذكرون أوطانهم في الجزيرة ومن تركوا فيها من أهليهم وذويهم، ووصف لبعض مظاهر الطبيعة وألوان الحضارة في أوطانهم وبيئاتهم الجديدة.
ووقف طويلًا عند الطوابع الإسلامية في أشعار هؤلاء الفاتحين، وما أذاعوا فيها من روح الإسلام ومثاليته، وألفاظ القرآن الكريم ومعانيه ودعوته إلى التفكير في خلق السماوات والأرض والعظة بالأمم الدائرة، حتى إذا أكمل تصوير هذا الجانب تصويرًا دقيقًا بسط الحديث فيما ساد هذه الأشعار من طوابع شعبية لاشتراك ألسنة كثيرة فيها معروفة ومجهولة، ولدورانها في قصص شعبي كانوا يحكونه عن الأبطال والفرسان الفاتحين، ولما اتسمت به من قصر وسهولة وما