نام کتاب : فن المقالة نویسنده : محمد يوسف نجم جلد : 1 صفحه : 35
هذا الاختلاف بين أسلوب الشباب وأسلوب الشيخوخة ظاهرة متسغربة لا تجري مع المعهود من طبائع القرائح الإنسانية. فإن القرائح في الناس عامة، أخصب بالخيال والرونق أيام الشباب، خلافا لما بدا من أسلوب باكون في حالتيه على رأي أولئك النقاد.
ولا حاجة هنا، على ما نرى، إلى مجاراتهم في اختراع بدعة غريبة من بدع القرائح الإنسانية عامة. إذ المألوف في الواقع، أن يكون الشباب أقرب إلى تكلف الوقار لأنه مظنة الخفة، وأن تكون الشيخوخة أقرب إلى الخفة لأنها مظنة الفتور والجمود.
وثمة سبب آخر نرجع إليه قبل الوثوب إلى البدع والخوارق التي لا تشاهد في جميع الأحوال. فمما لا شك فيه أن باكون قد بدأ تجربته الأولى في فن المقالة، وهو مترفع عنه ناظر إليه نظرة المتحفظ الذي لا يوليه جهده من العناية والاحتفال. وقد كانت له قبل كتابة المقالات فصول تفيض بالتخيل والرونق، كما تفيض بهما مقالاته الأخيرة بعد أن عاودها وهو معني بها محتفل بتنميقها، فليس في قريحته من هذه الناحية ظاهرة جديدة أو غريبة تخالف المعهود والمألوف.
وإنما هو اكتراث بعد تهاون، وإقبال بعد تردد. وما كان هذا التحول من التردد إلى الإقبال بالمستغرب، بعد شيوع المقالات وتسابق الخاصة والعامة إلى مطالعتها والاستزادة منها، وتلاحق ترجماتها بالفرنسية واللاتينية والإيطالية في سنوات قليلة. فقد تغير تقدير باكون لمقالاته تبعا لتقدير القراء والنقاد. وبدا منه الارتياح إلى رواجها والإعجاب بها في معارض شتى، فأشار مغتبطا إلى تكرار طبعها، وقال في خطابه إلى أسقف ونشستر: إنه لا يجهل أن هذا الضرب من الكتابة يضيف إلى اسمه سمعة وسطوعا فوق ما استفاده من الكتب الأخرى مع قلة الغناء فيه. وقال في رسالته إلى دوق بكنغهام: إن المقالات أروج أعماله؛ لأنها على ما يظهر أدنى إلى شواغل الناس وطواياهم"[1]. [1] المرجع السابق: 83-85.
نام کتاب : فن المقالة نویسنده : محمد يوسف نجم جلد : 1 صفحه : 35