نام کتاب : فن المقالة نویسنده : محمد يوسف نجم جلد : 1 صفحه : 34
وهنالك عامل آخر أدى إلى هذا التغير الواضح في أسلوبه المقالي وهو "رسائل سنيكا" التي سبقت الإشارة إليها. فقد كان هذا الكتاب الأخلاقي، واسع الانتشار بين القراء آنذاك، وكثيرا ما اقتبس باكون منه في كتاباته. ويذكر مؤرخو الأدبي، أنه في مقدمة لم تنشر لمجموعة المقالات التي طبعت سنة 1612، ذكر في معرض حديثه عن عنوان الكتاب "إن الاسم حديث، مع أن الموضوع قديم؛ إذ إن رسائل سنيكا إلى لوسيليوس -إذا نظر إليها الإنسان بتمعن- ليست إلا مقالات، أي تأملات منثورة، مع أنها مجموعة من الرسائل".
والعامل الأخير، الذي أدى إلى هذا التطور، هو أثر مونتين في باكون. فمما لا شك فيه، أن باكون بعد أن أقبل على هذا الفن واستغرق فيه، أخذ يراجع طريقته البدائية في الكتابة، عاد ثانية إلى مونتين، فقرأه بتمعن وتمحيص، فخرج منه بهذه السمات الجديدة التي وسمت مقالاته الأخيرة؛ فبتأثير مونتين، عني باكون بأسلوبه، فوفر له بعض القيم الجمالية والزخرفية التي لم يعرفها من قبل. وعني بموضوعاته، فمال عن ترصيع الحكم والمواعظ المركزة، إلى الحديث المسهب المتصل الذي يدعمه بالشواهد والإيضاحات، مما استمده من كتب التاريخ ومن تجاربه الخاصة. وأباح لنفسه أخيرا أن يعنى بإبراز العنصر الشخصي، لتتوفر لكتابته جميع مقومات الأدب الرائع.
وقد أشار الأستاذ العقاد إلى هذا التغير الذي طرأ على أسلوب باكون في مرحلته الأخيرة، وحاول أن يعلله فقال:
"وقد لاحظ النقاد بحق أنها كانت في صيغتها الأخيرة أحفل بالبلاغة والزخرف وفنون التخيل والتشويق، منها في صيغتها الأولى. واستطرد بعضهم من هذا إلى ملاحظة عجلى ليس فيها بصائب؛ لأنه حسب أن
نام کتاب : فن المقالة نویسنده : محمد يوسف نجم جلد : 1 صفحه : 34