نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 195
المحب محبوبته في ذلك الوقت فكأنه يريد أن يشاركها سرورها، أو تشاركه سروره، والسرور من الأشياء التي لا تتم إلّا إذا اقتسمها الإنسان مع سواه, أما في بيئة البارودي فليس لهذه الأشياء من التأثير والاهتمام ما يدعو لذكرها، بل قد يسبب المطر من المضايقات لأهل القاهرة الذين يعتمدون على النيل، ولأهل الريف في ضرر زرعهم ما يذكرونه بشرٍّ، ولكنه التقليد القديم، وقوله: "على حسرات" يعني به: أنه حين تغيب الشمس تكثر همومه، وكأنه يتقلب على حسرات؛ لأن الليل مصدر للذكريات لفراغ الإنسان من الشواغل والأعمال، وقديمًا قال النابغة:
وصدر أراح الليل عازب همه ... تضاعف فيه الحزن من كل جانب
ويقول النابغة كذلك:
فبت كأن العائدات فرشن لي ... هراسًا به يعلى فراشي ويقشب
وتشبيه نظرات المحبوبة بالسر تشبيه قديم معروف.
وفي الفخر ترى البارودي يذكر العمد المرفوعة وهو في القاهرة، ويذكر النار على عادات البدو، ولا سيما في الجاهلية إذا كانوا يشبونها على يفاعٍ من الأرضي كي يهتدي بها الساري، ويلجأ إليها الجائع ويطلب القرى، ورحم الله حاتمًا حين قال لغلامه:
أوقد فإن الليل ليل قر ... والريح يا واقد ريح صر1
معل يرى نارك من ير ... إن جلبت ضيفًا فأنت حر
وقوله في الحكمة: إن الإنسان لا يعد طليقًا في حياته وهو في أسر المنون, مأخذو من قول طرفة بن العبد:
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكا لطول المرخى وثنياه باليد2
1 قر: بارد، وصر: شديد البرودة.
2 الطول: الحبل.
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 195