نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 208
ويلوح لنا أن البارودي كان بطبعه محبًّا للحرية, ومتمردًا على الظلم، شأن كل شجاعٍ شريفٍ، ولعل للوراثة، وللنشأة أثرًا في هذا؛ ولقد غذاهما ما حفظه من شعر الحماسة والقوة عند العرب، وهم أبطال الحرية في فيافيهم الواسعة، وقد تغنوا بحروبهم وشجاعتهم وانتصاراتهم وأنفتهم، وكان شعرهم سجلًّا وافيًا لمكارم أخلاقهم، وقد قرأه البارودي وهو بعد شاب غرير، فرسخت هذه الصفات في ذهنه، وشَبَّ مطبوعًا عليها يتمثلها نماذج يحتذيها، يرددها في شعره, ويود أن يحققها عملًا في الحياة، ويقول:
لا عيب في سوى حرية مَلَكَت ... أعنَّتِي عن قبول الذل بالمال
تبعت خطة آبائي فسرت بها ... على وتيرة آداب وآسال1
ويقول:
دع الذل في الدنيا لمن خاف حتفه ... فللموت خير من حياة على أذى
ولقد صوّر البارودي الفساد الذي شاع أمره في مصر، واضطراب أحوالها, والفزع الذي ملأ قلوب الناس، وتنبأ بالثورة الدامية قبل حدوثها، مما يدل على أنه كان على صلة بزعمائها، وأن الناس قد ضاقوا ذرعًا بهذا الفساد وبرموا به, ولابد من سبيل إلى الإصلاح، وذلك حيث يقول:
تنكرت مصر بعد العرف واضطربت ... قواعد الملك حتى ريع طائره
فأهمل الأرض جر الظلم حارثها ... واسترجع المال خوف العدم تاجره2
واستحكم الهول، حتى ما يبيت فتى ... في جوشن الليل إلّا وهو ساهره3
ويلمه سكنًا، لولا الدفين به ... من المأثر ما كنا نجاوره
أرضى به غير مغبوط بنعمته ... وفي سواه المنى لولا عشائره
1 آسال: شبه وعلامات، ويقال فلان يسير على آسال من أبيه, أي: شبه منه، ولا واحد لها.
2 جرا الظلم: من جرائه وبسببه.
3 جوشن الليل: وسطه أو صدره.
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 208