نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 213
وإذا كان البارودي قد أنكر هذه التهمة هنا ونفاها عن نفسه، ففي شعره ما يثبتها ويدل على أنه كان يطلب من الثوار أن يولوه عليهم حاكمًا، ويمدح نفسه، ويطري حكمه، ومن البديهيّ أنه لم يرد رئاسة الوزارة, فقد كان رئيسًا للوزارة، ولكنه يريد ما هو أعلى منها، وتراه يذم هؤلاء الذين يقفون في سبيله ويكيدون له:
من كل وغد يكاد الدست يدفعه ... بغضًا ويلفظه الديوان من ملل
ذلت بهم مصر بعد العز واضطربت ... قواعد الملك حتى ظل في خلل
وأصبحت دولة الفسطاط خاضعة ... بعد الإباء وكانت زهرة الدول
إلى أن يقول:
بئس العشير وبئست مصر من بلد ... أضحت مناخًا لأهل الزور والخطل
أرض تأثل فيها الظلم وانقذفت ... صواعق الغدر بين السهل والجبل
وأصبح الناس في عمياء مظلمة ... لم يخط فيها امرؤ إلا على زلل
أصوحت شجرات المجد أم نضبت ... غدر الحمية حتى ليس من رجل؟!
لا يدفعون يدًا عنهم ولو بلغت ... مس العفافة من جبنٍ ومن خزل1
فما لكم لا تعاف الضيم أنفسكم ... ولا تزول غواشيكم من الكسل
فبادورا الأمر قبل الفوت وانتزعوا ... شكالة الريث فالدنيا مع العجل
وقلدوا أمركم شهمًا أخًا ثقةً ... يكون ردءًًا لكم في الحادث الجلل
ماضي البصيرة غلاب إذا اشتبهت ... مسالك الرأي صاد الباز بالحجل
إن قال بر، وإن ناداه منتصر ... لبى، وإن هم لا يرجع بلا ثقل
يجلوا البديهة باللفظ الوجيز إذا ... عز الخطاب وطاشت أسهم الجدل
ولا تجلوا إذا ما الرأي لاح لكم ... إن اللجاجة مدعاة إلى الفشل
هذي نصيحة من لا يبتغي بدلًا ... بكم وهل بعد قوم المرء من بدل؟
1 الخزل: من الانخزال وهو الظلوع في المشي من أثر شوكة أو شبهها, مشي فيه تثاقل وتراجع.
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 213