نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 403
وأما المثل الأعلى الذي يدعي الشعوبيون أنه مفقود عند العرب, فحسبنا أن نقول في الرد على دعواهم: إن الحياة العربية في الجاهلية كانت مليئة بأمثلة الوفاء والكرم والشجاعة، كانت الفضائل والذكر الحسن هي الغاية التي يصبو إليها كثير من أبناء الصحراء, وكلها مُثُلٌ عليا, لو سارت عليها الإنسانية لسعدت[1]، ولقد برهنت لك على أن الكلمة موجودة في اللغة العربية وفي القرآن الكريم الذي نزل على عرب الجاهلية، ولو لم يعرف العرب هذه الكلمة ويفهموا مدلولها ما نزل بها القرآن الكريم، على أن الغرب لا يعرف في لغة من لغاته كلمات كثيرة تملأ الحياة العربية، وتفخر بها الإنسانية فكلمات "العرض" و"المروءة" و"النجدة" ليس لها ما يقابلها في الأعجمية.
وإذا عدنا إلى الناحية الأدبية وجدنا الشعر العربي -وهو مفخرة العرب ومجتلى بيانهم- تكثر فيه ألوان الحكمة مصوغة صياغة متقنة، وما الحكمة إلّا حقيقةً مجردة تدل على تفهم لأسرار الوجود، وعلى الخيال الشامل الذي ينتظم طبائع البشر وأحوالهم, ويصدر عليهم حكمًا يصلح لكل زمان ومكان, وينطبق على كثير منهم مهما اختلفت عصورهم وبيئاتهم.
وبعد فلنسأل سؤالًا آخر وهو: أحقًّا توجد فوارق عقلية أصيلة بين الشعوب، يمتاز أحدها بالذكاء الغالب، والعقلية الخالقة، والخيال المبتكر، وتسلب الطبيعة أحدها, فهو فدم في جملته بطئ التفكير، ليس له قدرة على الخلق والابتكار وإن أجاد التقليد؟؟ وإذا وجدت الفروق العقلية بين الشعوب كما يدعي المتعصبون لأجناسهم، والمنساقون وراء عواطفهم، فهل هذه الصفات لازمة للشعب لا تتغير بتغير البيئة والزمان؟ وعلى أي أساس وجدت هذه الفروق العقلية؟ أهي نتيجة للبيئة الطبيعية أم البيئة الاجتماعية؟
يقول سرل برت C.Burt في كتابه كيف يعمل العقل[2]: إن هذه التعميمات التي تشغف بها بعض الجهات لتفضيل ما يسمونه الأجناس الآرية [1] راجع كتابنا "الفتوة عند العرب" فقد وفينا هذا الموضوع بحثًا ثمة. [2] الجزء الثاني, ترجمة الأستاذ محمد خلف الله, ص165.
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 403