نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 405
لقد أقرَّ من طعنوا في الأجناس السامية وانتقصوا عقليتهم بذكاء هذه الأجناس, فـ "رينان" يقر للعربي بالذكاء وحضور البديهة كما مر بك، وأحمد أمين يعلل لهذا الذكاء بأن العربيّ عصبي المزاج، "والمزاج العصبي يستتبع عادة ذكاء، وفي الحق أن العربي ذكي يظهر ذكاؤه في لغته، فكثيرًا ما يعتمد على اللمحة الدالة والإشارة البعيدة, كما يظهر في حضور بديهته1" وقد رأيت منذ لحظة ما أثبتته اختبارات "برت" وتلاميذه من ذكاء اليهود وتفوقهم في ذكائهم.
"والذكاء العظيم هو الركن الأساسي في النبوغ في أيِّ ميدان من ميادينه، وليس من الضروري أن نفترض أن موهبة الخلق الأدبي، أو الاستمتاع بالأدب تتوقف على ملكة أخرى خارقة أو خارجة عن حياته العادية" هذه هي النتجية التي وصل إليها وارتضاها "برت" في بحثه لطرائق سلوك العقل في الفن, فقال: "كل هذه النواحي من البحث أدت إلى نتيجة واحدة، فالفنان -من حيث موهبته على خلق العمل الفني- كالمقدرة على تذوقه, لا تتوقف على ملكة إضافية خارجة عن مجرى حياتنا اليومية، وهي في درجاتها العليا ليست إلّا إحدى ثمرات الحياة العقلية الطبيعية2".
فإذا تقرر أن الأجناس السامية على نصيب كبير من الذكاء، وأن الذكاء العظيم أساس النبوغ في أيِّ ميدان من ميادينه، وأن موهبة الخلق الأدبيِّ لا تتوقف على ملكة أخرى خارقة، فالعربي بفطرته ومواهبه مهيأ للخلق الأدبي والنبوغ، وليس من الضروري أن يكون النبوغ هو ذلك القصص شعرًا ونثرًا, وقد عرفت منزلة القصص وأيّ لون من ألوان الأدب هو، وأدركت أن القصة لا تتطلب خيالًَا جامحًا محلقًا عميقًا، وأن العرب صدفوا عنها لما وهبوه من خيال واسع، ولأن دينهم أغناهم عن النظر في حلول المشكلات الاجتماعية التي تعنى بها القصة, وقد مهر العربي في ألوان أخرى من الأدب، بل في أعلى أنواع التعبير وأسماها وهو الشعر. وليست القصة إلّا أحد مظاهر الخيال كله، "فالفخر
1 فجر الإسلام ص44 طبعة ثانية.
2 راجع "من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده" للأستاذ محمد خلف الله ص33.
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 405