نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 191
المسائل المعضلة التي ينفق الفلاسفة فيها حياتهم دون أن يوفقوا لحلها: في البعث، في الخلق، في إمكان الاتصال بين الله والناس، في المعجزة وما إلى ذلك، أفتظن قومًا يجادلون في هذه الأشياء جدالًا يصفه القرآن بالقوة، ويشهد لأصحابه بالمهارة؟ أفتظن هؤلاء القوم من الجهل والغباوة والغلظة والخشونة بحيث يمثله لنا هذا الشعر الذي يضاف إلي الجاهليين؟ "
وهنا يقول: إن القرآن يصف الحياة العقلية للعرب الجاهليين ويصورهم بأنهم كانوا أقوياء في الجدال والمناظرة كالفلاسفة، في حين أن الأديب الجاهلي يصورهم بأنهم جهلاء أغبياء ولكن العكس هو الصحيح، فالقرآن وصفهم دائمًا في هذه المناسبات بأنهم لا يعقلون ولا يفقهون، وأنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلًا وإني أوافق الأستاذ الغمراوي في رده على هذه النقطة إذ يقول[41]: "فأما الحظ الذي أنفقه القرآن في الجهاد بالحجة فعظيم، لكن عظمه لم يكن ناشئًا عن عظم قدرة على الجدال كانت عند المجادلين، ولا عن حسن بصرهم بمواطن الحجة، بل كان ناشئًا عن عظم رسوخ ما كان يجاهده القرآن فيهم، من اعتقادات وعادات، تأصلت فيهم على مر القرون. فالقرآن أنفق ذلك الحظ العظيم في جهاد العادة لا في جهاد مقدرة على المخاصمة". فلم يكن جدالهم في الناحية الدينية ناشئًا عن قوتهم العقلية في هذه الناحية، ولا عن حجج قوية أوردوها، أو براهين جاءوا بها بل كان عنادًا في الحق ومكابرة في الباطل أخذ القرآن في تخليصهم منها نصيبًا كبيرًا، فالحقيقة أن حججهم وبراهينهم هنا كانت واهية ضعيفة لا سند لها من عقل، أو تفكير سليم، إنما هو تأصل العادة، والتمسك بما كان عليه الآباء والأجداد.
ولا يصور الأدب الجاهلي العرب قبل الإسلام جهلاء أغبياء، بل إن الأدب الجاهلي بعامة والشعر فيه بخاصة من أهم البراهين التي تنفي عن العرب قبل الإسلام الجهل والغباء، فهو يثبت أن العرب الجاهليين كان فيهم الذكاء والفطنة، وسعة الخيال، ورقة الشعور، وفيض العواطف النبيلة بما تضمنه من معانٍ سامية، ونظرات صادقة، في الكون، والإنسان، وحسن التعبير وجمال التصوير.
وبعد ذلك يتحدث عن تصوير اتصال العرب بغيرهم، في القرآن، وفي الشعر الجاهلي فيقول[42]: "والقرآن لا يمثل الأمة العربية متدينة مستنيرة، فحسب، بل هو يعطينا منها [41] الشهاب الراصد، ص148. [42] في الأدب الجاهلي، ص74-75.
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 191