نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 212
الواقعة التي سقناها لبيان إمكانية وجود لغة أدبية تجمع بين الشماليين والجنوبيين، مقبولة ومقنعة، فهي هنا تكون دلالتها أقوى، وإقناعها أشد، وقبولها أوجب. ومن ثم، فلم يكن هناك ما يمنع من أن تتحد جميع هذه القبائل في اللغة الأدبية، خصوصًا أن الإنسان دائمًا مدفوع بغريزته إلى حب الشهرة وبعد الصيت، والأدباء بالذات يحب كل منهم أن تشيع نصوصه في الآفاق، وتجري كلماتها على كل لسان في كل مكان. وهذا يستلزم الاتحاد في التعبير الأدبي ليكون المجال أمام النصوص الأدبية مفتوحًا، وكلما اتسع نطاق هذه الوحدة كانت الشهرة أكبر وأعظم.
ومع ذلك يسوق الدكتور طه حسين دليلًا آخر ليؤيد به اعتقاده أن أدب الجاهليين الشماليين مصنوع ومنحول، فيسوق مسألة تعدد القراءات في القرآن، ويقول[64]: "إن القرآن الذي تلي بلغة واحدة، ولهجة واحدة، هي لغة قريش ولهجتها، لم يكد يتناوله القراء من القبائل المختلفة حتى كثرت قراءاته، وتعددت اللهجات فيه، وتباينت تباينًا كثيرًا، جد القراء والعلماء المتأخرون في ضبطه وتحقيقه، وأقاموا له علمًا أو علومًا خاصة. ولسنا نشير هنا إلى هذه القراءات التي تختلف فيما بينها اختلافًا كثيرًا في ضبط الحركات سواء أكانت حركات بناء أو حركات إعراب.. إنما نشير إلى اختلاف آخر في القراءات يقبله العقل، ويسيغه النقل، وتقتضيه ضرورة اختلاف اللهجات بين قبائل العرب التي لم تستطع أن تغير حناجرها وألسنتها وشفاهها لتقرأ القرآن كما كان يتلوه النبي وعشيرته من قريش، فقرأته كما كانت تتكلم، فأمالت حيث لم تكن قريش تميل، ومدت حيث لم تكن تمد، وقصرت حيث لم تكن تقصر، وسكنت حيث لم تكن تسكن، وأدغمت أو أخفت أو ثقلت حيث لم تكن تدغم ولا تخفي ولا تثقل". ثم يقول: "وليست هذه القراءات بالأحرف: جمع حرف، والحرف. اللغة، فمعنى أنزل القرآن على سبعة أحرف، أنه نزل على سبع لغات مختلفة في لفظها ومادتها. يفسر ذلك قول ابن مسعود: "هل ينظرون إلا زقية واحدة" مكان {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} .. فأنت ترى أن هذه القراءات التي عرضنا لها إنما هي مظهر من مظاهر اختلاف اللهجات". وبعد أن يستطرد بحديث طويل عن القراءات للطبري، يقول الدكتور طه65: [64] في الأدب الجاهلي، ص94-96.
65 في الأدب الجاهلي، ص103.
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 212