نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 213
"إن هذا النوع من اختلاف اللهجات له أثره الطبيعي اللازم في الشعر: في أوزانه وتقاطيعه وبحوره وقوافيه بوجه عام، ولسنا نستطيع أن نفهم كيف استقامت أوزان الشعر وبحوره وقوافيه كما دونها الخليل لقبائل العرب كلها على ما كان بينها من تباين اللغات واختلاف اللهجات، وإذا لم يكن نظم القرآن، وهو ليس شعرًا ولا مقيدًا بما يتقيد به الشعر، قد استطاع أن يستقيم في الأداء لهذه القبائل، فكيف استطاع الشعر، وهو مقيد بما نعلم من القيود، أن يستقيم لها؟ وكيف لم تحدث هذه اللهجات المتباينة آثارها في وزن الشعر وتقطيعه الموسيقي، أي كيف لم توجد صلة واضحة بين هذا الاختلاف في اللهجات، وبين الأوزان الشعرية التي كانت تصطنعها القبائل؟ ".
وهو بهذا يريد أن يقول: إن أثر اختلاف اللهجات بين القبائل العربية قد ظهر في قراءات القرآن، فلماذا لم يظهر هذا الأثر في الشعر الجاهلي كذلك؟ إن ظهور أثر هذه الاختلافات بين اللهجات في قراءات القرآن، وعدم ظهورها لا يستحق أن يكون سببًا لإثارة الشبهة والاتهام ضد الأدب الجاهلي.
فالقراءات في القرآن إنما هي في الغالب ترجع إلى كيفية النطق ببعض الحروف والأصوات، فالاختلاف بينها في معظم الحالات راجع إلى كيفية النطق، كالإمالة والمد والقصر والتسكين والإدغام والإخفاء، وما إلى ذلك، كما نص على ذلك الدكتور طه حسين في نصه الذي أوردناه آنفًا. وذلك كان بطبيعة الحال يتلقى بالمشافهة والرواية حتى يستطيع السامع أن يعرف كيفية النطق الصحيح بالقراءة المطلوبة. ولذلك كان من المبادئ المقررة في علوم القرآن أن: "المقرئ هو من علم بالقراءات أداء، ورواها مشافهة، فلو حفظ كتابًا امتنع عليه إقراؤه بما فيه إن لم يشافهه من شوفه به مسلسلا؛ لأن القراءة شيء لا يحكم إلا بالسماع والمشافهة"[66]. والأدب الجاهلي إنما وصلنا مكتوبًا، ولم يحافظ على الرواية والمشافهة في الانتقال من جيل إلي جيل حتى وصل إلينا بهذه الطريقة، وإنما من وقت تدوينه كتب بلغة واحدة. وإذا كان القرآن الكريم نفسه، وهو النص الكريم المقدس، قد كتب بلغة واحدة منذ زمن عثمان، فهل يتوقع أن يدون الأدب الجاهلي عندما بدأ تدوينه -وذلك كان بعد كتابة القرآن الكريم بزمن طويل- بلهجات العرب جميعًا حتى ولو كانوا فيه مختلفين؟ [66] راجع كتاب القراءات واللهجات للأستاذ عبد الوهاب حمودة "النهضة المصرية سنة 1948".
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 213