نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 229
مؤزر، وكان الحديث عنها مادة شعرهم، ومجال سمرهم، وليست قصصها، وما فيها من أشعار، أساطير وذكريات كان العرب يتحدثون بها بعد الإسلام، فطبيعة الحياة تأبى ذلك؛ فالبيئة التي كان يعيش فيها الجاهليون سببت لهم حروبًا وغارات كثيرة خاضوا غمارها، والحرب دائمًا تقصد القتل والإهلاك، وما أشد مثل هذه الظاهرة إثارة لمشاعر الناس وعواطف الأدباء، ولهذا عد النقاد الحرب أعظم مثير للموهبة الشعرية، فبسببها يكثر الشعر، وتنحل عقدة اللسان. ومن ثم فالطبيعة الإنسانية تأبى إلا تصوير الحرب بما يحرك المشاعر ويثير الوجدان، وذلك هو الأدب.
فالذي لا شك فيه أن الجاهليين قالوا في حروبهم نصوصًا أدبية، شعرًا ونثرًا، بما يصورها تصويرًا عاطفيًّا مثيرًا، ومن غير المعقول أن يظل العرب صامتين إلى أن تصبح هذه الحروب ذكريات عند ذرياتهم وأجيالهم المتأخرة، وهل يجوز أن تثير ذكريات الحرب مشاعر الأبناء، ولا تثير الحرب نفسها مشاعر الآباء؟
حقيقة قد تكون قصص الأيام دخلها شيء من المبالغات، أو الزيادة، بحكم مرور الزمن، وتعاقب الأجيال. ولكن مما لا شك فيه، أن الرواة الذين خصصوا أنفسهم للأخبار، من أمثال أبي عبيدة معمر بن المثنى قد بذلوا مجهودًا عظيمًا في استكشاف الحقائق، وتنقيتها من الشوائب، وشرح النقائض لأبي عبيدة خير شاهد على ذلك.
وهنا يثير الدكتور طه حسين موضوع اتصال العرب بغيرهم من الأمم الأخرى بطريقة تناقض إثارته لهذا الموضوع نفسه من قبل، فقد سبق أن طعن في الأدب الجاهلي، ورماه بالزيف والتزوير، لأنه لم يصور العلاقات الخارجية للعرب، ولكنه هنا يطعن في الأدب الجاهلي، ويرميه بالصنعة والاختلاق لأن فيه نصوصًا تتصل بما كان بين العرب والأمم القديمة من العلاقات قبل الإسلام كعلاقاتهم بالفرس واليهود والحبشة، ألا يبدو ذلك مثيرًا للعجب أيضًا؟ إن لم يوجد نص في هذه العلاقات، فالأدب كله عيوب ونقائص ولا يصلح لشيء فهو كاذب، وإن وجدت هذه النصوص فهي مختلقة ومزيفة، لأنها لم تأت إلا لتفسير خبر أو تزيين قصة، وليست حقيقة لمن تنسب إليهم!!!
فالحقيقة أن صلة العرب الجاهليين بالأمم الأخرى لا شك فيها، وتردد صداها في الأدب الجاهلي وظهر أثرها واضحًا في اللغة العربية وأدبها؛ لذلك ينبغي أن نطمئن إلى ما قيل في أيام العرب من نصوص أدبية، قبلها الثقات؛ أمثال أبي عبيدة معمر بن المثنى، وأبي عمرو بن
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 229