نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 228
ومن هنا نستطيع أن نقول مطمئنين: إن مؤرخ الآداب العربية خليق أن يقف موقف الشك -إن لم يقف موقف الإنكار الصريح- أمام هذا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين؛ والذي هو في الحقيقة تفسير أو تزيين لقصة من القصص، أو توضيح لاسم من الأسماء، أو شرح لمثل من الأمثال".
ثم يسمي ما يندرج تحت هذا، فيقول: "كل ما يروى عن عاد وثمود وطسم وجديس وجرهم والعماليق موضوع لا أصل له، وما يروى عن تبع وحمير وشعراء اليمن في العصور القديمة وأخبار الكهان، وما يتصل بسيل العرم وتفرق العرب بعده موضوع لا أصل له، وكل ما يروى عن أيام العرب وحروبها وخصوماتها وما يتصل بذلك من الشعر، خليق أن يكون موضوعًا، والكثرة المطلقة منه موضوعة من غير شك، وكل ما يروى من هذه الأخبار والأشعار التي تتصل بما كان بين العرب والأمم الأجنبية من العلاقات قبل الإسلام كعلاقاتهم بالفرس واليهود والحبشة، خليق أن يكون موضوعًا، وكثرته المطلقة موضوعة من غير شك". وظاهر من هذا أن الدكتور طه حسين يذكر كثيرًا مما قاله السابقون، ويعترف بأن العلماء والنقاد كانت لديهم فطنة يستطيعون بها أن يميزوا بين الأصيل والدخيل، فقبلوا الأول، ورموا الثاني بالصنعة والزيف.
ولكن الأسماء التي ذكرها أسماء تاريخية، تحدثت عنها كتب التاريخ والأدب، وبعضهم لعب في حياته دورًا هامًّا لفت الأنظار إليه. ثم إن الأمثال العربية لها أصل حتمًا، فالمثل يضرب، لتشبيه الحالة التي يقال فيها، بالحال التي قيل بسببها، غير أن الأسماء السحيقة القدم، مثل أعصر بن قيس عيلان من المستبعد حقًّا -كما يقول الدكتور طه- أن يكون لسانهم الأدبي، هو اللغة الفصحى التي ورد بها الأدب الجاهلي الذي لا يتعدى أقدم نص فيه مدة قرنين قبل الإسلام.
أما الأمم التي بادت، ولم يرد ذكرها إلا في الكتب السماوية، فواضح جدًّا أنهم لم يقولوا هذا الشعر الذي ينسب إليهم, وأن الذين قالوه ونسبوه إليهم، إنما فعلوا ذلك، تصويرًا لحالهم، ونطقًا بلسانهم، كي تتضح قصصهم، وتكون أكثر قبولًا لدى السامعين.
وأما أيام العرب، فهي حقيقة، حدثت بينهم وأثرت في حياتهم، وتحدثوا عنها في الجاهلية، فأثارت مشاعر القوم، وحركت عواطف الشعراء، فقالوا فيها أروع قصائدهم، وأجمل نصوصهم الأدبية، وكان النصر فيها مجال فخرهم، والهزيمة فيها عار لا يمحى إلا بنصر
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 228