نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 232
يعصموا أنفسهم من هذا النحل الذي كانوا يضطرون إليه اضطرارًا ليسكتوا خصومهم من الشعوبية، فليس من اليسير أن نصدق أن كل ما يرويه الجاحظ من الأشعار والأخبار حول العصا والمخصرة ويضيفه إلى الجاهليين صحيح. ونحن نعلم حق العلم أن الخصومة حين تشتد بين الفرق والأحزاب فأيسر وسائلها الكذب".
ويستمر فيقول: "إن الخصومة بين العرب والعجم، دعت العرب وأنصارهم إلى أن يزعموا أن الأدب العربي القديم لا يخلو ولا يكاد يخلو من شيء تشتمل عليه العلوم المحدثة.. ومن هنا لا نكاد نجد شيئًا من هذه الأنواع الحيوانية التي عرض لها الجاحظ في كتاب الحيوان إلا وقد قالت العرب فيه شيئًا قليلًا أو كثيرًا، طويلًا أو قصيراً، واضحًا أو غامضًا.. هم مضطرون إلى ذلك اضطرارًا ليثبتوا فضلهم على هذه الأمم المغلوبة، واضطراهم يشتد ويزداد شدة بمقدار ما يفقدون من السلطان السياسي، وبمقدار ما ترفع هذه الأمم المغلوبة رءوسها".
هذا هو مجمل ما قيل عن أثر الشعوبية في نحل الشعر الجاهلي، ويتلخص في أن الكراهية التي حدثت بين العرب والفرس بسبب الفتح والغلبة جعلت كلًّا من الفريقين يحاول أن يثبت تفوقه على الآخر قبل الإسلام، فاختلق الأشعار ليؤيد بها دعواه.
والحقيقة أن العرب فتحوا بلادًا كثيرة واسعة، وعاش الجميع إخوة في ظل الإسلام، وتحت لواء قانونه الذي يتساوى بمقتضاه الجميع، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} و "لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى". فالإيمان جمع بين قلوبهم، وشد من أزرهم، وكان المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا. فاختلط العرب بالعجم، وانتقل كل منهم إلى ديار الآخر، وأقاموا معًا في اتحاد ووئام، وارتبطوا بالأخوة الصادقة، والمصاهرة، ونشأ من تصاهرهم أبناء جمعوا بين الدمين. فكانت الظاهرة العامة إخاءً وتعاونًا، وحبًّا وثقة، حتى أصبح كثير من الموالي مقربين إلى الحكام العرب، وكان منهم مشيرون ووزراء، ومن الناحية العلمية، وبخاصة في النواحي العربية والإسلامية برع فيها كثير من الموالي، وأصبحوا علماء، يرجع إليهم في كثير من المعضلات، وتركوا مؤلفات لا تزال حتى يومنا هذا من أهم المراجع العلمية، فقد كان من الموالي من لا ينكر فضلهم في خدمة اللغة العربية وآدابها، بالرواية والتأليف كسيبويه، وأبي عبيدة، وابن السكيت؛ وكذلك في
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 232