نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 236
ثم لم يلبثوا أن أحسوا ازدياد حرص الأمصار على هذه البضاعة، فجدوا في تجارتهم، وأبوا أن يظلوا في باديتهم ينتظرون رواة الأمصار.. وكذلك انحدروا إلى الأمصار في العراق خاصة، وكثر ازدحام الرواة حولهم، فنفقت بضاعتهم، وأنت تعلم أن نفاق البضاعة أدعى إلى الإنتاج، فأخذ هؤلاء الأعراب يكذبون، وأسرفوا في الكذب، حتى أحس الرواة أنفسهم ذلك".
ويبدو من ذلك أن الدكتور طه يطعن في الرواة كلهم سواء كانوا من الأمصار أو من البادية بحجة سوء أخلاقهم، ويؤيد ذلك بما قيل في حق الرواة الذين تحدث عنهم.
وقد سبق أن ذكرنا أهم ما قيل عن الرواة، وتبين أن الكثرة منهم كانوا أهل ثقة واشتهروا بالنزاهة والأمانة، وقليل منهم رموا بالاتهام، وقد اختار الدكتور طه من بين هؤلاء اثنين أورد عنهما ما قال فيهما الخصوم والأعداء، وذكر سوء أخلاقهما وفساد سلوكهما، مما كان شائعًا عنهما ثم طعن بقية الرواة وهم الأكثرية؛ لأن في الرواة هذين الراويتين. وأعتقد أنه كان عدلًا أن نقصر الاتهام على من شاع عنهم عدم الصدق والأمانة ولا نأخذ غيرهم بجريرتهم، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك. فالرواة لم يكونوا كلهم أصحاب لهو ومجون، بل فيهم -وهم الأكثرية الغالبة- من كان ثقة صادقًا، مثال النزاهة والأمانة، ومن كان يمحص ويدقق في كل ما يسمع ويأخذ ويروي، فلا يقبل إلا ما ثبتت لديه صحته، كأبي عمرو بن العلاء، والمفضل الضبي، والأصمعي.
على أن ما أورده من أقوال تطعن في نزاهة كل من حماد وخلف، إنما هي من أقوال خصومهما وأعدائهما، والمعروف أن المنافسة في كل شيء كفيلة بتوليد الخصومة والعداوة، خصوصًا إذا كان ما يتنافس عليه الأفراد مما يجلب منفعة، أو يحقق مصلحة، أو يعلي المكانة والمنزلة. وقد كان كل من حماد وخلف من المشهود لهم بالتفوق الكامل، والبراعة الفائقة في ميدان الحفظ والرواية، فليس عجيبًا حينئذ أن يخلق ذلك من منافسيهما، وبخاصة من المعاصرين لهم، خصومًا وأعداء، وتعتبر هفوتهم، ولو هينة، جريمة لا تغتفر، وكبوتهم، ولو مرة، سقوطًا إلى الأبد، وليس هناك من بني الإنسان من هو الكامل في كل شيء، فالكمال المطلق لله وحده، ومن الأقوال المشهورة: " لكل عالم هفوة، ولكل جواد كبوة" فالكل معرض للزلات والهفوات، ومن طبيعة الإنسان: السهو والنسيان. ومن ثم فليس عجيبًا من حماد وخلف أن يجيء منهما بعض الخطأ، أو تحدث منهما زلات وهفوات. وليس
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 236