نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 237
ببعيد أن يستغل خصومهما ذلك فيشيعون عنهما سوء الخلق، والكذب، وعدم الأمانة والبعد عن النزاهة.
على أننا إذا بحثنا في أخبار الرواة جميعًا سوف لا نجد واحدًا منهم لم ينسب له خطأ، أو لم نلتمس له هفوة، حتى أولئك الذين شهد لهم بالثقة والنزاهة التامة، ولا شك أن كلا منهم إنسان، وهو معرض لكل ما يتعرض له الإنسان من السهو والنسيان، وما تجره المنافسة من الخصومة والعداوة، والاتهام والتشهير. ولذلك يجب ألا يغيب عن البال أن "المعاصرة حجاب" والمنافسة على الشهرة قد تدفع إلى الحسد والافتراء والبهتان.
ويبدو أن خصوم حماد وخلف، قد رأوا في سلوكهما، ما ساعدهم على التشهير بهما، ومحاولة إسقاطهما من المجتمع، ذلك أنهما كانا من زمرة اشتهرت في العراق بالخلاعة والمجون والفسوق والسكر والعربدة، وهذه الصفات كفيلة بإسقاط الشخص مهما كان. وواحدة من هذه الصفات تكفي لإهدار كرامة الشخص، ورفض شهادته، وبخاصة الخمر، فهي تذهب العقل، وتفقد الشعور، وتجعل صاحبها يهذي ويخلط في كلامه، ولا يعرف ما يقول. ومن ثم ليس بعجيب ممن يدمن عليها أن يدعي ما ليس له، وأن ينسب الأشياء لغير أصحابها، وأن يشيع في كلامه الاضطراب، ويظهر في سلوكه العوج والفساد وطبيعي إذا كانت هذه صفات كل من حماد وخلف، أن يحدث من كل منهما في روايته خلط واضطراب، ونسيان وهذيان وكذب وادعاء، ويكثر ذلك منهما بكثرة سكرهما وعربدتهما، وفقدهما الوعي والإدراك. ومن العجيب أن كل واحد منهما كان في لحظات وعيه، وتكامل صحوه ويقظته، أعلم الناس وأذكاهم وأصدقهم، ولعل مما يؤيد ذلك قول الأصمعي في حماد: "كان حماد أعلم الناس إذا نصح"، وقال ياقوت في ذلك: "يعني إذا لم يزد وينقص في الأشعار والأخبار". ومن الإسراف في الخمر وأثره في أمانة الرواة، جاء تشنيع خصوم أبي عمرو الشيباني عليه إذ قالوا فيه: "إنه كان ثقة لولا إسرافه في شرب الخمر"؛ ولكن يبدو أن شربه الخمر، لم يكن كعادة حماد وخلف وإسرافهما في ذلك، فإذا أضيف إلى ذلك ما أثر عنهما من الخلاعة والفسق والمجون، كانت الطامة الكبرى، وحق لهما أن يضرب بروايتيهما عرض الحائط.
ومن ثم لا ينبغي أن يكون لقول الخصوم والأعداء أي أثر في الحكم على نزاهة الشخص وأمانته، ما لم تقم البراهين القاطعة على ثبوت الدعوى، وأحقية الاتهام. وما دامت سيرة كل
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 237