نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 238
من حماد وخلف كما وصفت، فليسا حينئذ أهلا للثقة، ولا يصح الاعتماد على روايتهما في أي شيء.
ولكن إذا سقطت عدالة هذين الراويين، فليس معنى ذلك أن تسقط عدالة غيرهما من الرواة؛ فلم يكن الجميع مثلهما في الخلق والسيرة والسلوك، بل كثير منهم شهد له بالورع والتقوى والبعد عن الشبهات، وإذا رفضت روايتهما لاحتمال بعدهما عن الأمانة والنزاهة والصدق، فليس معنى ذلك أن نرفض رواية الآخرين، فكثير منهم شهد له بالأمانة والصدق، والدقة والتحري في كل ما يسمع ويروي، مما جعلهم في نظر النقاد والعلماء والباحثين عدولًا صادقين، وهؤلاء أهل للثقة بهم، والاعتماد عليهم.
وأما رواة الأعراب، فهم كغيرهم من أهل الأمصار، يجوز أن يكون فيهم الأمين النزيه، وأن يكون فيهم المدعي المختلق، فالأولون أهل للثقة، والأخذ عنهم باطمئنان، والآخرون جديرون بالطعن والرفض، وحسن الحظ أن العلماء والنقاد الأوائل كانوا في منتهى الذكاء والفطنة، فكان لديهم مقدرة فائقة تمكنهم من التمييز بين الأصل والدخيل، فبحكم مخالطتهم للأعراب، وكثرة مدارستهم لما يسمعون ويروون، وتحصيل قدر كبير من التراث العربي القديم، ومداومة ترديده وتفهمه ودرسه، تكون لديهم ذوق أدبي حاد، مكنهم من معرفة الصحيح من الزائف. والمثال الذي ساقه الدكتور طه ليطعن به رواة الأعراب في أمانتهم، وهو حادثة أبي عبيد مع داود بن متمم بن نويرة يؤيد ذكاء الرواة الممتازين وفطنتهم؛ إذ إن أبا عبيدة عرف ما زاده داود لوقته. وفي كتب التاريخ والأدب والنقد كثير من الأمثلة على ذلك.
هذا هو ما قيل عن الانتحال في الأدب الجاهلي، أوردناه بإجمال، وعلقنا على كل جزئية بما استطعنا. ومما سبق يمكن أن نستخلص الحقائق التالية:
من الثابت قطعًا أن العرب في الجاهلية كان لهم أدب، فيه شعر ونثر، وكان هذا الأدب في درجة عالية من النضج والكمال في التعبير والتصوير، بدليل نزول القرآن الكريم بلغة فهمها العرب حق الفهم، وتحدي القرآن للعرب يثبت تفوقهم في الفصاحة والبيان، وقد وردت في القرآن إشارات تؤكد وجود الشعر والشعراء عند العرب الجاهليين.
ثم إن الشعراء والأدباء كانوا موجودين وقت ظهور الإسلام، أمثال حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن زهير، والنابغة الجعدي، وأمية بن أبي الصلت،
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 238