نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 264
الشرف، وتهدم المجد، ومقام الحليم عظة لمن انتفع به". فأذعن له الفريقان بالطاعة، وتصالحا.
ومن ذلك ما حدث من هرم بن قطبة الفزاري حين نفر إليه عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة العامريان، فقد روي: أن عامرًا وقف لعلقمة يومًا، فجعل ينازعه الشرف في قومه، وتفاقم بينهما الأمر، فكان مما قاله عامر: والله لأنا أشرف منك حسبًَا، وأثبت منك نسبًا، وأطول قصبًا! قال علقمة: أنا فرك، وأنا أشرف منك أمة، وأطول قمة، وأبعد همة. وطال بينهما الكلام. فتواعدا على الخروج إلى من يحكم بينهما. وجعلا يطوفان الأحياء. وهاب الناس أن يحكموا بينهما. خيفة أن يقع في حييهما الشر. حتى دفعا إلى هرم بن قطبة الفزاري "وهو غير هرم بن سنان المري ممدوح زهير". فلما علم بأمرهما، أمر بنيه أن يفرقوا جماعة الناس تفاديًا للفتنة، وجعل يطاولها، ويخوف كل واحد منهما من صاحبه حتى لم يبق لواحد منهما هم سوى أن يسوي في حكمه بينهما، ثم دعاهما بعد ذلك، والناس شهود، فقال لهما: أنتما كركبتي البعير، تقعان إلى الأرض معًا، وتقومان معًا". فرضيا بقوله، وانصرفا عنه إلى حييهما.
وقد عمر هرم هذا إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقال عمر: أيهما كنت منفرًا؟ فقال: يا أمير المؤمنين لو قلتها الآن لعادت جذعة "يعني الحرب أو الفتنة" فقال له عمر: "إنك لأهل لموضعك من الرياسة".
الخطابة:
الخطابة حديث يقصد به إثارة المشاعر وإلهاب العواطف في الحال. والحياة الجاهلية جعلت الخطابة ضرورية لهم، فهم في اجتماعاتهم وفي عرض آرائهم، وفي القيام بواجباتهم في السفارات والوفود كانوا -ولا شك- يحتاجون إلى الإفصاح عما يريدونه؛ رغبة في الوصول إلى مقاصدهم وكلما كان إفصاحهم أقوى وأعذب كان تأثيره في القلوب أشد، فساعد ذلك على وجود الخطابة بينهم.
وقد ثبت أنهم كانوا يخطبون في مناسبات شتى، فبالخطابة كانوا يحرضون على القتال؛ استثارة للهمم، وشحذًا للعزائم، وبها كانوا يحثون على شن الغارات؛ حبًّا في الغنيمة، أو بثًّا للحمية رغبة في الأخذ بالثأر، وبالخطابة كانوا يدعون للسلم؛ حقنًا للدماء، ومحافظة على
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 264