نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 265
أواصر القربى أو المودة والصلة، ويحببون في الخير والتصافي والتآخي، ويبغضون في الشر والتباغض والتنابذ، وبالخطابة كانوا يقومون بواجب الصلح بين المتنافرين أو المتنازعين، ويؤدون مهام السفارات جلبًا لمنفعة، أو درءًا لبلاء، أو تهنئة بنعمة، أو تعزية أو مواساة في مصيبة، فوق ما كانت الخطابة تؤديه هذه المصاهرات، فتلقى الخطب ربطًا لأواصر الصلة بين العشائر، وتحبيب المتصاهرين بعضهم في بعض.
وأشهر الخطباء في الجاهلية: قس بن ساعدة الأيادي، وقد أدركه النبي صلى الله عليه وسلم فرآه في سوق عكاظ على جمل أحمر، وسحبان بن وائل الباهلي الذي ضرب بفصاحته المثل. فقيل: "أخطب من سحبان" ويقال إنه كان إذا خطب يسيل عرقًا، ولا يعيد كلمة ولا يتوقف ولا يقعد حتى ينتهي من كلامه.
ومن خطباء تميم المشهورين: ضمرة بن ضمرة، وأكثم بن صيفي، وعمرو بن الأهتم المنقري، وقيس بن عاصم.
وكان الخطباء يحفلون بخطبهم، ويتخيرون لها أشرف المعاني، وأقوى الألفاظ، وأشدها وقعًا على القلوب؛ ليكون تأثيرها أعظم، ويقال إنهم كانوا يخطبون، وعليهم العمائم، وبأيديهم المخاصر، ويعتمدون على الأرض بالقسي، ويشيرون بالعصي والقنا، راكبين أو واقفين على مرتفع من الأرض[7].
وقد أثارت الشعوبية في موقفها من العرب عادة اتخاذهم العصي والمخاصر في أثناء خطابتهم، فرد عليهم الجاحظ في كتابه البيان والتبيين، مبينًا فوائد العصا، ومما قاله: "إن حمل العصا والمخصرة دليل على التأهب للخطبة والتهيؤ للإطناب والإطالة. وذلك شيء خاص في خطباء العرب، ومقصور عليهم، ومنسوب إليهم، حتى إنهم ليذهبون في حوائجهم، والمخاصر بأيديهم إلفًا لها، وتوقعًا لبعض ما يوجب حملها، والإشارة بها"[8].
ومن الخطب التي تحرض على القتال: خطبة هانئ بن قبيصة في يوم ذي قار، يحرض قومه بكرًا على القتال، ومنها: "يا معشر بكر، هالك معذور خير من ناج فرور، إن الحذر لا ينجي من القدر، وإن الصبر من أسباب الظفر، المنية ولا الدنية، استقبال الموت خير من [7] البيان والتبيين جـ3 ص7. [8] المرجع السابق، ص117.
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 265