نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 451
الحياة والحركة: وفي الصورة الشعرية نجد الحياة تجري، والحركة تدب فيها بحيث نرى الصورة كأنما هي أجسام حية، تتحرك، وتجري، وتكر، وتفر، وتحاور، وتداور، وتتلفت، وتتحدث، وتتكلم بأفصح الكلمات، وأبلغ العبارات، ومن أروع الصور الحية قول عنترة:
ما زلت أرميهم بثغرة نحره ... ولبانه حتى تسربل بالدم
فازور من وقع القنا بلبانه ... وشكا إلي بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلمي
فالصورة يبدو فيها عنترة يدفع حصانه ليتقدم أكثر وأكثر في صفوف الأعداء، في حين أن رماحهم تنهال على الحصان حتى تمزق جسده، واكتسى سربالًا من الدم، فالتفت بوجهه إلى عنترة، وكأنما يستعطفه أن ينظر ما آلت إليه حاله، وشكا إليه ما فيه من ألم، بعبرة انحدرت على خده، وزفرات مكتومة من صدره. وهذه القوة الفنية في التصوير، إنما يتميز بها الأدب من بين الفنون الجميلة الأخرى، فليس هناك من هذه الفنون فن يستطيع أن يبدع صورة حية تتحرك وتتحدث سوى فن الأدب.
الفن القصصي: وفي الشعر الجاهلي أحيانًا تصادفنا قصة شعرية جميلة توصف فيها حادثة تتكون من أفعال ومناظر متعددة، تسير في تسلسل منطقي، وترتيب طبيعي، مما يزيد القطعة الشعرية سحرًا وجمالًا، وتثير الإعجاب والاهتمام، وإن السرور والإعجاب بهذه القصة ليتضاعفان إذا استطاع الشاعر بقوته الفنية أن يصور المناظر كما تحدث فعلًا، وتظهر فيها المثيرات الحسية والمعنوية بوضوح، ومن خير الأمثلة في ذلك أبيات أوس بن حجر التي يصف فيها قصة القوس. وقد سبق أن ذكرنا نموذجًا لقصة المستنبح ومضيفه الكريم، وقصة للحطيئة في الأعرابي الفقير الذي فاجأه ضيف.
الروح الجماعية: وتبدو في الشعر الجاهلي الروح الجماعية بوضوح، فالشاعر في أغلب الأحيان يتحدث عن قبيلته، في الفخر والهجاء، والوعيد، والإنذار، فيجيء الكلام بصيغة الجمع، مما يؤكد أن الشاعر كان لسان القبيلة، المعبر عن أحوالها وترجمان أحاسيسها، فيفخر بالأحساب والأنساب، ويعدد مناقب الحاضرين والغابرين من الآباء والأجداد، ويسرد
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 451