نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 453
العناية بالألفاظ والعبارات.
وفي الشعر الجاهلي، نجد أن الشعراء كانوا يهتمون بألفاظهم وعباراتهم، فينتقون ويدققون في اختيار الألفاظ، ويتحرون أن تكون ألفاظًا شعرية تؤدي الغرض المقصود بما تحمل من معاني القوة والتأثير. وتتضح هذه الظاهرة بأجلى معانيها في الحوليات، وهي القصائد التي يقضي أصحابها في إعدادها وقتًا طويلًا قد يقرب من عام؛ ولذلك سميت كل منها بأنها حولية، وأشهر أصحابها زهير والنابغة الذبياني.
والذي يدل على ميل الجاهليين إلى انتقاء الألفاظ وجودة رصفها، ورود ألقاب كثيرة من الشعراء تدل على ذلك، مثل المهلهل، الذي أطلق عليه ذلك -كما يقولون- لأنه هلهل ألفاظ الشعر وأرقها، كما لقبوا المرقش بذلك لتحسينه شعره وتنميقه، وهكذا قالوا في طفيل
وهكذا حتى يغيب الموكب عن ناظريه، وقلبه في تلك الحالة يكاد ينخلع، بل إنه انخلع فعلًا، ورحل مع حياة النفس، وروح الفؤاد.
فإذا ما صار أمره إلى تلك الحال، انطلق مصورًا جمال الحبيبة التي ملكت القلب، فخلع عليها من آيات الحسن والبهاء، ما يصورها آلهة الجمال، وقد قيل في تعليل هذه الظاهرة إنها كانت لتهيئة النفوس للاستماع باهتمام إلى ما يريد الشاعر عرضه بعد. فتقبل عليه بروح عالية، وصدور منشرحة.
وبعد الانتهاء من الافتتاحية المختارة، ينتقل الشاعر إلى غرض آخر قد يكون الوصف، وقد يكون الفخر، وقد يكون المدح، وقد يكون الهجاء، وقد يجمع بين هذه الأغراض كلها في قصيدة واحدة، ومن ثم نجد القصيدة الواحدة تضم أكثر من موضوع، وتتجلى مهارة الشاعر الفنية في حسن الربط بين هذه الموضوعات، وجودة الانتقال من موضوع لآخر. وقد سبق أن تحدثنا عن ذلك في تحليل المعلقات.
ونحب هنا أن نذكر بما بيناه سابقًا من أن الشعراء الجاهليين كانوا هم الطبقة المثقفة الذين يتوجهون بحديثهم إلى من هم في مستواهم عقلًا وذكاءً في ذلك العصر، ومن نتاجهم الشعري تستطيع أن نتبين ذكاءهم وقدرتهم الفنية والبلاغية، فكثيرا ما كانوا يستعملون الأساليب البلاغية الراقية، ومن أكثرها شيوعًا لديهم المجاز بالحذف، اعتمادًا على ذكاء السامع وفطنته.
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 453