نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 87
لا بد أنهم كانوا على شيء من علم الملاحة، وصناعة السفن، ومن ثم ورد ذكرها في الشعر الجاهلي كثيرًا، من ذلك قول عمرو بن كلثوم:
ملأنا البر حتى ضاق عنا ... وماء البحر نملؤه سفينا
وقال طرفة بن العبد:
كأن حدوج المالكية غدوة ... خلايا سفين بالنواصف من دد
عدولية أو من سفين ابن يامن ... يجور بها الملاح طورًا ويهتدي
ولابد أن الملاحة اضطرتهم إلى معرفة كثير من النجوم والكواكب للاهتداء بها في سيرهم عند ركوب البحر.
ولا شك أن صناعة السفن الكبيرة تحتاج إلى أخشاب وإلى مسامير من حديد تستعمل في ربط الألواح والأخشاب بعضها ببعض، وإلى أيد فنية عاملة، ولم تتيسر هذه الأشياء في جزيرة العرب، ولهذا اقتصرت صناعة السفن على السفن الصغيرة في الغالب[5]، هذا إلى جانب الصناعات المختلفة التي أشرنا إليها فيما سبق: ولا بد أنهم كانوا على الأقل ذوي خبرة بهذه الصناعات.
ولا شك أن هذه الخبرات العملية التي أشرنا إليها كانت وليدة الحاجة جاءتهم عن طريق التجارب العديدة التي قاموا هم أو أسلافهم بها، وهي وإن كانت بسيطة أو تعتبر خطوات أولى في ميادينها، فإنها تدل على ما كان لديهم من كمال العقل ونضج التفكير، وقوة الملاحظة، وحب الاستطلاع، ويقظة ووعي لما يقع تحت أعينهم ومحاولة للاستفادة منه بقدر ما يستطيعون.
وأما علم الخط والكتابة، فلم يكن منتشرًا بينهم، وإنما كان موجودًا فيهم، وقد ورد في كثير من أشعارهم وأخبارهم ما يؤيد ذلك. ويقول ابن خلدون: "كان الخط العربي بالغًا مبلغه من الإحكام والإتقان في دولة التبابعة، لما بلغت من الحضارة والترف، وهو المسمى بالخط الحميري، وانتقل منها إلى الحيرة لما كان بها دولة آل المنذر نسياء التتابعة في العصبية والمجددين لملك العرب في العراق". ومن الحيرة لقنه أهل الطائف وقريش6 [5] جواد علي جـ8 ص73.
6 تاريخ العرب القدامى ص110.
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 87